بلغ خطاب الأمين العام لـ”حزب الله“ حسن نصر الله في يوم عاشوراء مستوى عالياً جداً من تسييس المناسبة. ربط نصر الله وبصريح العبارة بين مساره السياسي الحالي في سوريا ولبنان وأي مكان، وبين اصطفافات معركة وقعت قبل 1337عاماً. ”نحن الذين نقول للحسين اياً يكن التهديد الاسرائيلي نحن لا نترك ما يمثله الحسين من قيم في الدفاع عن الارض والعرض وايا يكن ما يمثله داعش والجماعات التكفيرية لا نُخلي الميادين ولا نُخلي الساحات“.
خيارات المتكلم هي نفسها خيارات الحسين. وبقية الناس صنفان، إما عدو يزيدي، أو مشارك بالجريمة عبر الخذلان، لأن ”من يفكر فينا أن يتراجع هو كمن يترك الحسين ليلة العاشر وسط الليل“. وأيضاً، وبحسب خاتمة الخطاب، فإن مقاتلي الحزب على الجبهات، و”شهداءه وجرحاه“ وحتى المشاركين في المسيرة الحزبية التنظيم يوم العاشر أمس، بخياراتهم هذه يقولون ”ما تركناك يا حسين“. ولتوكيد هذه الرسالة، طلب نصر الله من عشرات آلاف الحاضرين ترداد هذه الكلمات مرات، وهكذا فعلوا بصوت واحد، ربما كقسم أو لتجذير العبارة واستيعابها ومضمونها جيداً.
طبعاً، قد يمر مثل هذا المنطق في سياق الحرب مع اسرائيل، نظراً لرمزية هذا الصراع وتاريخه وإلى حد ما، طابعه الديني. لكن ما التطبيق العملي لهذا الكلام في الحرب السورية؟ الإجابة اليتيمة وبكل بساطة هي أن معركة كربلاء شبيهة بتلك الآيلة إلى منع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ورامي مخلوف واللواءين الراحلين غازي كنعان ورستم غزالة وغيرهم. 
وهذه مقارنة قاتلة للمخيلة ومملوءة بالتناقضات. أتُعقل مقارنة الأطفال المذبوحين في كربلاء، بنظام تولى قتل واعتقال وتعذيب الغالبية الساحقة من الأطفال الضحايا في حرب سوريا؟ هل الغارات الجوية الروسية لم تترك الحسين أيضاً؟
والواقع أن هذا الخلط المباشر والصريح بين الدين والسياسة، يُثير قلق مرجعيات النجف، نظراً لما يتركه هذا التسييس من وقع طويل الأمد على ثقة الناس برجال الدين ومؤسساتهم، وربما بالطقوس نفسها. فالنجف اليوم تخشى انعكاسات الفشل الذريع لرجال الدين في المجال السياسي، إن كان لجهة الانقسامات الداخلية، أم الفساد الذي سجل أرقاماً قياسية وبإسم الدين. وعاشوراء أساسية في خطاب هؤلاء الساسة، وبالمنطق ذاته، إذ يساوون بين معركة مقدسة عند الشيعة، وبين خياراتهم السياسية الحالية. لكن ماذا يحصل عندما ينكشف الفساد المالي لرجل دين يتحدث بهذا المنطق؟
يقود مثل هذا السلوك، الناس الى التشكيك في رجال الدين وما ينطقون به، سيما لو دخلوا معترك السياسة.
ليس خطاب نصر الله وحده التسييس الطارئ لذكرى عاشوراء هنا، لا بل الطقوس بأكملها تبدلت وتعسكرت وبشكل دراماتيكي ومتسارع منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي في ايران ولبنان وغيرهما تباعاً.
بيد أن انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، سيّس الذكرى الى حد كبير، وحولها الى محطة للشحن والتعبئة والتنظيم. الأكاديمية ماري هيغلاند راقبت في بلدة ايرانية تحولات ذكرى عاشوراء قبل الثورة وبعدها. في ملاحظات دونتها في أحد فصول كتاب (نُشر عام 1981)، رصدت تحول طقوس الذكرى من بكاء وعويل ولطم وإنشاد ديني وروحاني صرف في عاشوراء، إلى مسيرة مسيّسة يُردد فيها المشاركون هتافات مثل ”الموت للشاه“ وهم يلطمون.
في لبنان أيضاً تحولت الذكرى، وبات الخطاب السياسي، واستغلال المناسبة لإضفاء شرعية الهية على خيارات سياسية راهنة، من أركانها، بعدما اقتصرت الطقوس على قراءة قصة الحسين والبكاء واللطم. فاليوم، إذا كنت مختلفاً في السياسة مع منظمي الحفل، تُصبح يزيدياً بشكل تلقائي. صاحب الخطاب يُحدد أين الحسين اليوم، وأين أعداءه وما هي معركته ومن هم المتقاعسون عن نصرته. في يده مفاتيح الجنة وجهنم. 
إنها وكالة حصرية غير قابلة للعزل وقعها طرف واحد نيابة عن الله وبإسمه.

 

مهند الحاج علي