ما سر الخوف الإيراني من إستفتاء كردستان؟
 

ربما هي المرة الأولى التي  تُجمعان فيها  إيران والولايات المتحدة على قضية تعارضهما عليها إسرائيل، وهي قضية إستقلال إقليم كردستان من العراق التي اقتحمتها دولة الإقليم. 
وخلال الأيام الماضية تزامن وصول اللواء قاسم سليماني قائد لواء القدس للحرس الثوري الإيراني وبرت مك غورك قائد القوات الأميركية الخاصة لمكافحة داعش إلى أربيل وبغداد لتشجيع بغداد والإقليم على الوصول إلى توافق وبينما ينقل الأكراد عن المسؤولين الإيرانيين والأميركيين قولهم بأنهم طالبوا تأجيل الإستفتاء إلى موعد مناسب، ولكن الطرفان الإيراني والأميركي يتفقان على إلغاء الإستفتاء وليس تأجيله.

إقرأ أيضا : الأكراد ... الخُذلان الأميركي لهم بالمرصاد
وكان متوقعا الترحيب الإسرائيلي بمحاولة إستقلال الإقليم وتكوين دولة قومية جديدة في المنطقة من شأنها أن تكون نقطة بداية لسايكس بيكو جديد ولكن يبدو أن الرد الإيراني على مشروع الإستفتاء كان أكبر وأقسى بكثير مما كان يُتوقع، حيث يمكن القول بأن جميع المسؤولين الإيرانيين الكبار من السياسيين والعسكريين وغيرهم اتخذوا مواقف متشددة تجاه قضية الإستفتاء الكردي، ما لم يحدث تجاه أي موضوع آخر، مما يُظهر أهمية وخطورة الموضوع بعدما عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي يوم الاثنين الماضي عن موقف إيران الرسمي تجاه الإستفتاء واعتباره خطأ إستراتيجيا يهدد أمن العراق واستقراره ويعرّض المنطقة إلى فوضى ومحاولات التقسيم والإنفصال.
دخل مسؤولون آخرون على خط التصعيد تدريجيا ليصل الذروة عبر تهديد الإقليم بقطع الحدود عبر تصريحات أمين المجلس الأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني الذي توعّد الإقليم بإلغاء جميع الاتفاقيات والمعاهدات الأمنية والعسكرية بين إيران والإقليم وإغلاق الحدود مع الإقليم بحال إجراء الإستفتاء بشأن الإستقلال.
خطورة الإستفتاء الكردي دفع حتى غير المعنيين من المسؤولين الإيرانيين باتخاذ مواقف حادة ومنهم رجل الدين أحمد خاتمي الناطق الرسمي لمجلس خبراء القيادة الذي يناط إليه مهمة إنتخاب المرشد الأعلى والرقابة عليه، الذي أدان خلال الجلسة الختامية للمجلس مشروع الإستفتاء في الإقليم واعتبره محاولة لزرع إسرائيل جديدة في المنطقة. والموقف الأعنف الإيراني جاء من خلال تغريدة حسين أمير عبد اللهيان المعاون السابق لوزير خارجية إيران، مستشار رئيس البرلمان حاليا الذي غرد على حسابه في تويتر :"  إن أربيل تواطأت مع صدام حسين وشنت عملية عسكرية ضد السليمانية في التسعينيات وكانت مع داعش في عملية غزو الموصل والآن وقفت في وجه العراق بحساباتها الخاطئة في الإستفتاء."

إقرأ أيضا : حرب ضروس في الشمال السوري.... الأكراد يسلمون قرى منبج للنظام والجيش التركي يتوجه نحوهم
سبق تلك التصريحات، إتصال رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري بنظيره التركي خلوصي أكار، تناول الطرفان خلاله جملة من القضايا ومنها موضوع الإستفتاء في كردستان وتداعياته الأمنية والعسكرية على المجال الإقليمي.
 ويبدو أن موضوع الإستفتاء كان محور الحديث خلال الإتصال الهاتفي بينهما، كما سبق اللواء باقري الجميع بزيارته المفاجئة لأنقرة منتصف شهر تموز الماضي من أجل صرف الأكراد عن إجراء الإستفتاء خلال الضغط على تركيا،  ذلك لأن إيران تعتبر أن تركيا ليست صادقة في رفض قضية الإستفتاء أو إستقلال كردستان، لأنها هي المستفيدة الوحيدة من إستقلال كردستان وهي المتنفس الوحيد لكردستان بحال إستقلالها، ولهذا ترى إيران بأن كردستان تراهن على دعم تركيا في مرحلة ما بعد الإستقلال، ولو لم يكن بارزاني معولا على مساندة الأتراك ما كان يجرؤ على إجراء الإستفتاء.
الإيرانيون يعتبرون بأن تركيا تريد حصتها من العراق وهي كردستان، لأنها ترى بأن بغداد أصبحت حصة إيران.
يبدو أن سرّ موقف إيران المتشدد تجاه قضية إستقلال كردستان يكمن أولا في العلاقة المشبوهة بين كردستان وإسرائيل مما تجعل كردستان مشروع حديقة إسرائيل الخلفية في المنطقة وتتيح لها الفرصة لتهديد أمن إيران عن قرب، على غرار ما جرّبته إسرائيل خلال حدودها مع جنوب لبنان وحزب الله.

إقرأ أيضا : الأكراد والاستقلال.. وجامعة الدول
ثانيا إن إستقلال كردستان من شأنه أن يدفع الأكراد الإيرانيين إلى الإستقلال أو الإنضمام لها، علما بأن أولى محاولات الإنفصال للأكراد تاريخيا بدأت في كردستان إيران في العام 1878 م، حين حاول الشيخ عبيد الله النقشبندي تأسيس دولة كردستان واستولت قواته على مدن في محافظة أذربيجان الغربية، لكن الدولة القاجارية قمعَتها واستردت المدن.
 ثم تكررت تلك المحاولة في العام 1946 حيث استغل قاضي محمد الإضطرابات التي كانت تعيشها إيران بسبب حربين عالميتين وفي الفترة التي كانت قوات التحالف إحتلت إيران، لتأسيس أول دولة كردية بدعم روسي وفور خروجهم أقدمت الحكومة المركزية على قمع الدولة الكردية بقسوة  والمحاولة الثالثة والأخيرة للأكراد في إيران إستهدفت الحصول على حكم ذاتي بعيد إنتصار الثورة الإيرانية أطلقت مواجهة عسكرية استمرت إلى أكثر من ثمانية سنوات، وباءت بالفشل.
وخلافا لإيران، لا تشعر تركيا بالتهديد الإسرائيلي حيث لديها علاقات متينة مع إسرائيل، كما لا تشعر بخطر الإنقسام، لأن عبد الله أوجالان تخلى عن مشروع الإستقلال ويكتفي الآن بالحكم الذاتي على غرار كردستان العراق حاليا أما مشروع الإستقلال الذي كان يحمله أوجالان سابقا فإن مسعود بارزاني يحمله الآن ويستعد لدفع تكاليفه الباهظة.