فاجأ رئيس المجلس النيابي وحركة أمل نبيه بري القيادات السياسية اللبنانية واللبنانيين جميعاً بطرحه الدعوة إلى تقديم موعد إجراء الانتخابات النيابية وإلغاء العمل بالبطاقة البيومترية، رغم إقرار تلزيم البطاقة في آخر جلسة لمجلس الوزراء بموافقة وزراء حركة أمل.
وهذه المفاجأة السياسية - النيابية شغلت الرأي العام والقوى السياسية والحزبية، وطرحت عدة تساؤلات عن الأسباب المُضمرة التي دعت الرئيس بري إلى طرح تقديم موعد الانتخابات، غير الأسباب التي ذكرها في مشروع التعديل.
وتحدثت بعض الأوساط الإعلامية عن بعض الأسباب المقترحة لاقتراحه، ومنها: أن هدف الرئيس بري ايجاد شرخ بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، أو انه يريد استباق الأمور قبل حصول تغيرات سياسية وشعبية قد تنعكس سلباً على قوة حركة أمل في الانتخابات، أو قطع الطريق أمام استفادة بعض القوى من تلزيم البطاقة البيومترية بالتراضي، أو للرد على كل الذين يتهمون الرئيس بري بالعمل للتمديد للمجلس النيابي الحالي بحجج مختلفة.
لكن بغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس بري إلى تقديم اقتراحه، وبغض النظر عمّا إذا كانت القوى السياسية والحزبية ستوافق على الاقتراح ويقدَّم موعد الانتخابات الى شهر كانون الأول المقبل أولاً، فإن هناك سؤالاً أساسياً يجب طرحه اليوم: أين تكمن قوة الرئيس بري وحركة أمل في الواقع السياسي والحزبي رغم التقدم الكبير لمنافسه حزب الله وفي ظل كل الانتقادات التي توجه إلى بري والحركة في ملفات عديدة؟ وأي دور للحركة مستقبلاً، ولا سيما بعد الرئيس بري، وهل تحافظ الحركة على قوتها الشعبية والسياسية، وماذا يحضِّر بري لوراثته في المرحلة المقبلة؟
نقاط قوة بري وحركة أمل
بداية أين تكمن نقاط القوة لدى الرئيس نبيه بري وحركة أمل في ظل التنافس الشديد مع حزب الله على الصعيد الشيعي، وفي ظل ما تتعرض له الحركة والرئيس بري من انتقادات من أطراف شيعية أو سياسية لبنانية تحت عناوين مختلفة؟
للإجابة عن السؤال حول نقاط القوة لدى بري وحركة أمل، لا بدّ من العودة الى الاحتفال السنوي الذي تقيمه حركة أمل كل عام في الذكرى السنوية لاختطاف الأمام موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا، فهذا الاحتفال ولا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة يشكَّل عملية استعراض قوية لقوة الحركة الشعبية والتنظيمية والسياسية، فقد نجحت الحركة في استقطاب مئات الألوف من المناصرين من كل المناطق اللبنانية، ما يظهر قوة الحركة وانتشارها، كما ان الاجراءات التنظيمية والأمنية التي اتخذتها الحركة قبل وأثناء الاحتفال أشارت إلى تمتع الحركة بجهاز تنظيمي وأمني كبير.
ومن يراقب المناطق التي ينتشر فيها مناصرو الحركة وكوادرها، يلحظ بوضوح ان الهيكل التنظيمي للحركة (من شُعَبَ وخلايا ومجموعات منظمة) قد انتشر في هذه المناطق وأصبح للحركة وجود فاعل حتى في المناطق التي تشهد حضوراً قوياً لحزب الله.
وتشير بعض المصادر المطلعة على أجواء حركة أمل ان عناصر الجذب لمناصري الحركة تعود الى عدة اعتبارات، ومنها:
1- الحاجة لقوة سياسية شيعية غير ايديولوجية كما هو الحال بالنسبة إلى حزب الله، لأن هناك عشرات الألوف من مناصري الحركة لا يجدون لهم موقعاً في الحزب الإسلامي المرتبط بولي الفقيه أو القائم على أسس دينية حازمة.
2- الدور الكبير للرئيس بري وحركة أمل على صعيد مؤسسات الدولة وفي التوظيف داخل هذه المؤسسات ووجود آلاف المسؤولين والموظفين من الحركة داخل مختلف المؤسسات.
3- حجم الخدمات التي يقدمها الرئيس بري والحركة للمناطق التي فيها مناصرو الحركة من خلال مؤسسات الدولة والبلديات والوزارات ومجلس الجنوب.
4- التمايز السياسي الذي اتبعه الرئيس بري والحركة عن حزب الله على صعيد الموقف من بعض القضايا الداخلية والخارجية، رغم استمرار التحالف الاستراتيجي المستمر بين الحركة والحزب في الأمور الاستراتيجية.
5- استمرار حضور مشروع الامام الصدر الثقافي الفكري في الوسط الشيعي، الذي يتمايز عن مشروع حزب الله من بعض الجوانب.
ويبدو واضحاً ان وجود تنظيم حركة أمل والرئيس نبيه بري في الواقع السياسي أصبح ضرورة وحاجة حتى لحزب الله وإيران، ولذلك لاحظنا الاشادة الكبيرة من قبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالرئيس بري ووضعه إياه في آخر خطاب له (خطاب النصر في 31 آب)، «بالأخ الأكبر دولة الرئيس نبيه بري»، كما يحظى الرئيس بري بدعم قوي من إيران وقيادات شيعية في العراق ويرتبط بعلاقات قوية عربية وإسلامية، اضافة إلى علاقاته الدولية.
ما بعد الرئيس بري
لكن ما هو مصير ومستقبل حركة أمل والتيار الذي تمثله بعد الرئيس نبيه بري (أطال الله عمره)، وهل يُعد الرئيس بري لقيادة جديدة تستطيع إدارة الأمور بغيابه؟
هذا الموضوع يشكل أحد أهم الأسئلة التي تطرح في بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية والأمنية، لكن لا أحد يتملك الإجابة الشافية، حتى ان بعض قيادات حزب الله ترفض البحث في هذا الموضوع بشكل نهائي عندما يطرح عليها وتعتبر ان السؤال سابق لأوانه.
أما في داخل حركة أمل، فالموضوع غير قابل للبحث والنقاش، مع أن بعض مسؤولي الحركة يقولون انه بعد أو أثناء حرب تموز 2006 وخلال مؤتمر داخلي للحركة أبلغ الرئيس نبيه بري كوادر وعناصر الحركة، انه إذا تعرضت لأي مكروه اذهبوا الى عند الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وهو يتابع الأمور من بعدي.
هذا وتنتشر في بعض الأوساط الشعبية والإعلامية بعض المعطيات من ان نجلي الرئيس نبيه بري (الحاج عبد الله بري والاستاذ باسل بري) هما الأكثر حظاً في وراثة الرئيس بري.
لكن أوساط الرئيس بري تنفي هذه المعطيات وتؤكد «ان لدى الحركة مؤسسات وهيكلية تنظيمية تتولى إدارة أمور الحركة وتحديد من يتولى قيادتها».
وبانتظار حسم الأمور على الصعيد الانتخابي، وفي ظل حرص الرئيس بري على تأكيد قوة وشعبية دور الحركة وعدم خوفه من التحديات التي تواجهها، فإن الحركة ستبقى إحدى أبرز القوة السياسية والحزبية الفاعلة في المشهد اللبناني.}