شهدت صفوف تنظيم داعش في الساعات القليلة الماضية انهيارات غير مسبوقة، سواء في مدينة الرقة التي كانت تُعتبر معقله الرئيسي، أو في محافظة دير الزور التي كان حتى الأمس القريب يسيطر على معظم أنحائها، ما يضع التنظيم أمام ثلاثة خيارات بينها الانتقال إلى منطقة أخرى أو شن عمليات إرهابية خارج الشرق الأوسط.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن «سوريا الديمقراطية» باتت تسيطر على نحو 95 في المائة من مدينة الرقة، متحدثا عن «انهيار (داعش) في ضفاف الفرات الغربية بدير الزور، ووصول قوات النظام إلى الحدود الإدارية مع محافظة الرقة».
وأعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» أمس في بيان، أنّها باتت في «المراحل النهائية لحملة غضب الفرات التي شارفت على النهاية»، مؤكدة السيطرة على ما نسبته ثمانون في المائة من المدينة، لافتة إلى أن قواتها «تستكمل تطهيرها من الألغام، وتلاحق فلول الإرهاب فيما تبقى من مساحة المدينة التي باتت عبارة عن ساحات للمعارك، وتشتبك مع المرتزقة الذين يتخذون من آلاف المدنيين دروعاً بشرية». 
ودخلت هذه القوات مدينة الرقة، في يونيو (حزيران)، بعد نحو سبعة أشهر على هجوم واسع بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية على المحافظة الشمالية.
وأفادت قيادة «سوريا الديمقراطية» بأنها بدأت في الأيام الخمسة الأخيرة «حملة مباغتة استهدفت تحصينات مرتزقة (داعش) في الجبهة الشمالية للمدينة». وقالت إن الهجوم أفقد مقاتلي التنظيم «مبادرة المناورة وبعثر قواهم».
من جهته، قال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن المعركة في مدينة الرقة باتت شبه منتهية، وإن «سوريا الديمقراطية» باتت تسيطر على نحو 95 في المائة من المدينة، مرجحا إعلان تحريرها كاملة خلال يومين، في ذكرى إعلان تشكيل التحالف الدولي لمحاربة «داعش». 
وأشار عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية، إلى أنه «نتيجة الضربات الجوية المكثفة للتحالف الدولي، انسحب تنظيم داعش خلال 48 ساعة من خمسة أحياء على الأقل في المدينة، فيما تقهقر من تبقى من عناصره إلى حي الأمين ومركز المدينة والمجمع الحكومي، وبعض المباني في الوسط».
وبحسب عبد الرحمن: «بعد مقتل المئات من عناصره خلال الأسابيع الفائتة، لم يعد التنظيم قادراً على الصمود لفترة أطول في مدينة الرقة، نتيجة بدء نفاد مخزونه من المعدات العسكرية والأسلحة، والنقص المتزايد في المواد الغذائية المخزنة لدى التنظيم». ولم يعد التنظيم، وفق المرصد، وتحت كثافة الضربات الجوية للتحالف «قادراً على إسعاف جرحاه، ما دفع عناصره إلى الانسحاب نحو مناطق في وسط المدينة يعتقدون أنها آمنة حتى هذه اللحظة».
أما الناطقة الرسمية باسم حملة «غضب الفرات» جيهان شيخ أحمد، فأكدت أن «الحملة مستمرة وستتواصل حتى تحقيق الأهداف».
ولا تقتصر الانهيارات في صفوف «داعش» على مجموعاته المقاتلة في الرقة؛ بل أصابت وبقوة أيضا عناصره في دير الزور الذين يتصدون حاليا لهجومين كبيرين: الأول تقوده قوات النظام بدعم روسي في مدينة دير الزور وريفها الغربي، والثاني تشنه «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي في الريف الشرقي. وقد أعلن المرصد أمس «انهيار (داعش) على ضفاف الفرات الغربية بدير الزور، ووصول قوات النظام إلى الحدود الإدارية مع محافظة الرقة» مشيرا إلى أنه «وبعد أن كانت محاصرة في مدينة دير الزور، وسّعت قوات النظام سيطرتها لتشمل أكثر من 100 كيلومتر مربع من ضفاف الفرات في المحافظة».
أما وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، فتحدثت عن فتح قواته «ممرات إنسانية في دير الزور، لمغادرة المدنيين من مناطق انتشار تنظيم داعش الإرهابي»، فيما قالت وحدة الإعلام الحربي التابعة لـ«حزب الله»، إن قذائف «مورتر» أطلقها تنظيم داعش، أمس الأربعاء، استهدفت قافلة مساعدات إيرانية في مناطق انتزعت قوات النظام السيطرة عليها في الآونة الأخيرة في دير الزور بشرق سوريا. 
وقال تلفزيون «المنار» التابع لـ«حزب الله»، إن «قذيفة أصابت شخصا وتسببت في أضرار مادية؛ لكن القافلة التي تحمل ما يربو على ألف طن مساعدات لم تتعرض لأضرار».
ولم يستغرب الخبير في الجماعات المتطرفة عبد الرحمن الحاج، انهيار «داعش» السريع سواء في الرقة أو دير الزور، معتبرا أنه «بالأساس لم يكن التنظيم يشكل خطرا كبيرا أو عقبة صعبة التجاوز، فالجميع كان يعلم أنه لا يمتلك أي قوة جوية ولا حتى مضادات للطيران، وما يمتلكه من أسلحة معظمها أسلحة خفيفة ومتوسطة، وبالتالي يمكن القضاء عليه دون أن يخلّف أثرا مهما أو يملك الإمكانات الكافية لمواجهة القوى الجوية المتقدمة مع قوى برية مزودة بأسلحة حديثة». وأضاف الحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الجميع كان يعلم ذلك؛ لكن تم تضخيم إمكاناته، تمهيدا لتدخل عسكري يمكّن الدول النافذة من تقاسم الكعكة».
ويشير خبراء إلى أن «داعش» حاليا أمام ثلاثة خيارات: الأول هو «الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمر له فيه خبرة في العراق. أما الثاني فاللجوء إلى دول يوجد فيها موطئ قدم له، مثل سيناء أو إيران أو ليبيا؛ لكنه لن يغادر الشرق الأوسط لأسباب كثيرة، أبرزها أن آيديولوجيا المظلومية السنية ترسخت بدلاً من أن تتفكك وتزول، ومن الممكن أن تشكل تجربة (داعش) أساسا لتشكيل تنظيمات أكثر خطرا وعنفا، وهو ما أرجحه».
أما الخيار الثالث الذي قد يلجأ إليه التنظيم، بحسب خبراء، فالانتقال إلى «عمليات إرهابية في أوروبا، ينقل خلالها المعركة من الشرق الأوسط إلى الغرب، ويولد دينامية صراع جديدة قد تقود إلى حروب أوروبية». وأضاف: «إذا كانت أزمة اللاجئين أدت إلى تصدع الاتحاد الأوروبي، فماذا لو انتقل التنظيم إلى أوروبا؟»، مستبعدا تماما زوال «داعش»؛ معتبرا أن «اضمحلاله غير وارد في المدى المنظور».