تحولت كربلاء في عصرنا هذا إلى تجارة فمن يستطيع إبكاء الحضور أكثر؟
 

بدأت عاشوراء، وارتفعت على المنابر أصوات البكاء والنواح على إمام معصوم حُمل رأسه على القنى، بدأت عاشوراء وأصبحت "كربلاء" شيفرة ينتظرها الشيوخ لفك دلالاتها حسب أهوائهم واتجاهاتهم السياسية والدينية، فتارة معمّم يهاجم آخر بطريقة غير مباشرة وطورًا آخر يصوّب النار على عقيدة آخرين فتبدأ المعركة على أرض الواقع الإفتراضي وتحقن النفوس وتزداد كرهًا وبغضًا..
إلى تعبئة عقائدية وسياسية تحوّلت كربلاء في عصرنا هذا وإلى النواح والبكاء انقلبت بعدما كان هدفها الأسمى تقويم الإسلام وبعدما استشهد الإمام الحسين "ع" لأجل الثورة والإنسان ولأجل أن نحيا بحرّية، كما تحوّلت لتجارة الهدف منها تعبئة جيوب أصحاب العمائم الذين نسوا على منابرهم الهدف من "عاشوراء" فانطلقوا في مجالسهم كأنهم شريط يكرر الحادثة فتنهمر الدموع فجأة كالشلال ولعل الظاهرة الأبرز التي أصبحت "موضة" بين قارئي العزاء تتمثل بمن يستطيع إبكاء الحضور أكثر؟

إقرأ أيضًا: في جامعة AUB .. دكتور إجتماع يُهين مريم لأنها محجبة!
منذ أكثر من 1400 عام قال الإمام الحسين "ع": "إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني" ربما لأن هذا التاريخ العظيم لم يعلم أن ثورته ستتحوّل لمحاولة لقلب الموازين واستخدامه كسلاح لتعبئة النفوس حسب ما تشتهيه رياح المعممين وربما لأنه لم يعلم أن ثورته التي يجب أن تلقّن مجانًا لإنارة طريق الحق أمام الجاهلين قد تحوّلت إلى فرصة ينتظرها قارئو العزاء كل سنة لطلب المبالغ الخيالية لأجل إقامة المجالس الحسينية ولو كان يعلم إلى ما ستؤول إليه هذه الثورة لما دفع بنفسه وأصحابه واولاده إلى معركة شوّهناها اليوم بتصرفاتنا فأصبحنا مقيدين بالانجرار وراء الظالمين وبترك كل القواعد الانسانية التي لأجلها قاتل الإمام المعصوم واختصرناها بالنواح والبكاء والتعبئة العقائدية.