الملف الأمني ميدان أساسي للتراشق بين الفرقاء السياسيين في العراق نظرا لخواء رصيد هؤلاء الفرقاء من الإنجازات التي يمكنهم الاستناد إليها في دعايتهم السياسية خلال الانتخابات القادمة التي يتزامن توقيتها مع نهاية الحرب على تنظيم داعش ودخول البلد حقبة جديدة يتوقّع أن تكون مختلفة عما سبقه.
 

يزداد الملف الأمني حضورا في التراشق بين الفرقاء السياسيين في العراق، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات المقرّرة لربيع سنة 2018، في ظاهرة تعكس رغبة هؤلاء الفرقاء في استخدام ذلك الملف كورقة انتخابية في ظلّ غياب أي منجزات سياسية أو اقتصادية للأحزاب والتيارات التي ينتمون إليها، فيما عدا التقدّم الفعلي المتحقّق في الحرب على تنظيم داعش والذي يتنازعه أغلب كبار قادة الميليشيات والأحزاب وخصوصا الشيعية القائدة للعملية السياسية في البلاد.

وفيما يحاول أنصار رئيس الوزراء حيدر العبادي إظهاره بمظهر قائد النصر على تنظيم داعش، يبدو عدد من منافسيه وخصومه من داخل عائلته السياسية الشيعية، في وضع محرج وفي موقع ضعف خلال الانتخابات القادمة، خصوصا إذا كانوا في موضع اتهام بالمسؤولية عن دخول التنظيم المتشدّد إلى البلد والسيطرة على مساحات شاسعة من خارطته، وهو الاتهام الموجّه بالأساس من قبل شرائح واسعة من العراقيين إلى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وقال عباس البياتي عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي، الأحد، معلّقا على زيارة العبادي الحالية إلى نيويورك إنّ رئيس الوزراء سيجري أكثر من ثلاثين لقاء خلال تلك الزيارة مشدّدا على أنّه سيتحدث من باب القوة ومن موقع القائد المنتصر.

ونقل موقع السومرية الإخباري عن البياتي قوله إن من أبرز الملفات التي سيطرحها العبادي في نيويورك “ملفي الانتصارات التي حصلت على داعش والاستفتاء في إقليم كردستان”.

وحرص البياتي على القول إنّ “العبادي سيكون حاملا لملفاته ليتكلم فيها من باب القوة والقائد المنتصر على أعتى وأشرس قوة إرهابية عرفها التاريخ الحديث”.

وفي مظهر آخر عن استخدام الملف الأمني في الصراع الحزبي بالعراق، لم يتردّد هاشم الموسوي النائب بالبرلمان عن كتلة المواطن التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي (شيعي)، الأحد، في اتهام حاكم الزاملي العضو عن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بمحاولة إنقاذ المقصّرين في الهجوم المزدوج الذي ضرب الأسبوع الماضي محافظة ذي قار بجنوب البلاد وحرف التحقيقات عن مسارها.

وقال الموسوي في بيان إنه يستغرب من “التخرّصات التي أطلقها رئيس لجنة الأمن والدفاع حاكم الزاملي خلال برنامج تلفزيوني، والتي اتهم فيها جزافا ومن دون دليل ملموس مدينة البطحاء بالضلوع في التفجير الذي وقع ضمن حدودها الإدارية”.


عباس البياتي: العبادي يتكلم من موقع القائد المنتصر على أعتى وأشرس قوة إرهابية
وأضاف الموسوي أن “الزاملي كشف عن جهله بجغرافية المنطقة وعدم معرفته بطبيعتها الاجتماعية والدينية”، لافتا إلى أن “التلميح لضلوع المدينة أو أبنائها بهذه الجريمة هو دعم واضح لأجندات يعمل عليها الزاملي لإنقاذ المقصرين وحرف مسار التحقيقات التي تجريها الحكومة”.

وأشار إلى أنّ الزاملي “بتصريحاته هذه أساء لطيف واسع من العشائر الأصيلة التي تسكن هذه الناحية، بل وأساء لكل أبنائها”، مطالبا إياه بـ”التراجع عن تصريحاته وتقديم اعتذار رسمي لمدينة البطحاء التي على الرغم من قلة عدد سكانها إلا أنها قدمت أكثر من 75 شهيدا من الحشد والجيش والشرطة دفاعا عن العراق منذ صدور الفتوى العظيمة”، في إشارة إلى فتوى “الجهاد الكفائي” التي سبق للمرجع الشيعي علي السيستاني أن أصدرها سنة 2014 إثر استيلاء داعش على ما يتجاوز ثلث مساحة العراق وصولا إلى مشارف العاصمة بغداد، والتي أنشئ الحشد الشعبي بموجبها بتجميع عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية، إضافة إلى عدد محدود من المقاتلين السنّة والمسيحيين والتركمان وغيرهم.

ونظرا للدور الهام الذي لعبه الحشد في الحرب على تنظيم داعش، يحاول أغلب القادة السياسيين التقرّب منه أملا في الاستفادة من الشعبية التي اكتسبها في الشارع الشيعي.

ودعا الموسوي إلى “توخي الدقة في إطلاق الاتهامات وعدم توفير مساحات داعمة للإرهاب من خلال هذه التصريحات التي غرضها خدمة العدو في زعزعة الأمن والاستقرار في تلك المناطق”.

وشهدت محافظة ذي قار بجنوب العراق الخميس الماضي هجوم عدد من المسلّحين على مطعم يقع على الطريق الدولية السريعة غرب المحافظة، وإطلاق النار عشوائيا على الموجودين بداخله، وأعقب ذلك تفجير سيارة مفخّخة في نقطة أمنية قريبة، ليخلّف الحادثان عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى.

وكان الزاملي قد أثار في معرض تعليقه على الهجومين شكوكا بشأن تواطؤ عناصر محلية من ذي قار مع منفّذي الهجوم الذي مثّل حدثا لاستهدافه محافظة جنوبية بعيدة نسبيا عن دائرة نشاط تنظيم داعش في العراق.

ولوحظ إثر الهجوم تركيز العديد من الشخصيات والتيارات السياسية الشيعية بمن في ذلك شخصيات من التيار الصدري من بينهم حاكم الزاملي على فشل الأجهزة الأمنية التي تقودها في الوقت الحالي منظمة بدر الشيعية ممثلة بوزير الداخلية قاسم الأعرجي.

ويثير تلاعب الأحزاب السياسية بورقة الإرهاب تشاؤما في صفوف العراقيين، من أن يبلغ الأمر حدّ تسهيل دخول الانتحاريين إلى المدن والتجمّعات السكانية انتقاما من هذا الطرف أو ذاك ولإدامة حالة التوتّر التي تستفيد منها عدّة أطراف من سياسيين فاقدين لشعبيتهم ومن مسؤولين فاسدين.

وأثيرت هذه الفرضية بوضوح إثر التفجير الهائل الذي كان استهدف في يوليو 2016 منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد موقعا المئات من الضحايا، وعدّه أنصار التيار الصدري انتقاما من حاضنتهم الجماهيرية الكبيرة في تلك المنطقة.

وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإنّ اشتداد التراشق بين الفرقاء السياسيين في العراق، يعكس مخاوفهم من انتفاء أدوارهم في المرحلة الجديدة التي يبدو العراق مقدما عليها بعد نهاية الحرب على تنظيم داعش، وبروز توق واضح لدى رجل الشارع لتغيير الوجوه السياسية التي قادت البلاد إلى المرحلة الصعبة التي يعيشها حاليا بكل مصاعبها الاقتصادية والاجتماعية وخلافاتها السياسية الحادّة وتوتّراتها الأمنية.