شكر سفير روسيا في لبنان الكسندر زاسيبكين "اللقاء الأرثوذكسي على مبادرته عقد النهار الثقافي، الذي يمكن أن نسميه من الجانب الروسي "لبنان في قلب روسيا"، متحدثا عن "روابط المحبة المتبادلة التي تجسدت في الإنجازات الكبيرة خاصة في مجالات الثقافية التربوية، وبناء جسور إنسانية متينة بين شعبينا، ونحترم تراث القرون الماضية والوقائع التأريخية، ونعتمد عليها في الوقت الراهن، وخاصة أن التحولات التي تجري تتطلب التمسك بالثوابت الإستراتيجية، التي تحدد إتخاذ القرارات الصحيحة طبقا للمصالح الحقيقية للشعوب، أن نبني العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين فننطلق من تطابق المواقف حول بعض المبادئ الأساسية، وبدرجة أولى ضرورة تأمين المساواة في الحقوق لجميع المكونات الطائفية والإتنية، وأي إهمال في هذا المجال يؤدي الى أخطر التداعيات. وخلال السنوات الأخيرة، أصبح هذا الموضوع عاملا جوهريا يؤثر على مصير الدول في الشرق الأوسط وحتى في العالم كله".
 
ورأى في كلمة ألقاها خلال اليوم الثقافي الخامس الذي نظمته اللجنة الثقافية في "اللقاء الأرثوذكسي"، في فندق سنترال ضهور الشوير، تحت عنوان "روسيا في قلب لبنان" اننا "نعيش اليوم مرحلة تغيير النظام العالمي عبر سلسلة النزاعات، التي أدت الى آثار مأسوية وتهدد بالمزيد من الكوارث، وفي ظل هذه الظروف يؤكد كل من روسيا ولبنان، التفاهم حول الإلتزام بأمرين أساسيين: الأول حوار الحضارات كهدف دائم لتثبيت العدالة والأخلاق والقيم التقليدية الضرورية لضمان وجود البشرية، والثاني إحترام الشرعية الدولية المسجلة في ميثاق الأمم المتحدة، وعلى رأسها حق تقرير المصير وإحترام سيادة وإستقلال ووحدة أراضي الدول، ونرفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية والهيمنة وفقدان التوازنات على الصعيد الدولي".
 
وقال: "من المعروف أن روسيا إقترحت بعد تفكك الإتحاد السوفياتي وإنتهاء الحرب الباردة، بناء العلاقات الدولية على أساس الأمن المتساوي وغير المتجزئ والتعاون الواسع والقضاء على خطوط التقاسم، وطرحت مبادرات تشمل عمليا كافة مجالات التعامل بالمجتمع العالمي، ومن بينها إيجاد حلول للمشاكل القائمة، وإقامة منظومات الأمن والتعاون الواسعة الأورو- أطلسية والشرق أوسطية والأسيوية، إلا إننا اليوم نعيش مرحلة تصعيد جديدة وهي نتيجة تطورات الأوضاع الدولية خلال السنين الأخيرة"، معتبرا ان "السبب الرئيسي لهذه الحالة معروف، وهو عدم وجود حلف وارسو منذ زمن بعيد. أما حلف الناتو فتوسع نحو الشرق، واليوم يقف عند حدود روسيا".
 
أضاف: "يقولون في الغرب إن دول أوروبا الشرقية ارادت الإنضمام الى الناتو، ولكننا نعرف أن التوازن مطلوب في كل مكان ولا يجوز تخريبه، وتوسع الناتو وإقامة الدرع الصاروخي خطوات غير مسؤولة وتهدد الأمن الدولي".
 
ورأى ان "السبب الثاني لإنهيار الأوضاع الدولية، هو الرغبة في تغيير الأنظمة واعتماد أساليب تدخل عديدة، بما في ذلك تشجيع التظاهر وإرسال المقاتلين والسلاح والعدوان المباشر، وهذا مترافق مع تجربة العقوبات وتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام"، ملاحظا ان "ايا من الاهداف المعلنة لم يتحقق، وبدلا من الحرية والديمقراطية انتشر العنف والقمع والبربرية والإرهاب التكفيري"، مؤكدا أن "الأهداف الحقيقية للمخطط هي تدمير الدول الوطنية وإقامة دويلات طائفية، وخلال المراحل الأولى لهذا المخطط، تم تحقيق هذه الأهداف بخاصة في العراق وليبيا، إلا أن سوريا صمدت وأفشلت مخططات الأعداء، ووقفت روسيا بجانب الجيش السوري وحلفائه وتم الهجوم على الإرهابيين من جهات عديدة".
 
وأشاد بـ"تحرير الأراضي اللبنانية من مجموعات النصرة وداعش"، مؤكدا أن "المعركة ضد الإرهاب في المنطقة ستستمر حتى القضاء عليه نهائيا"، لافتا الى ان "روسيا تستعد لتتعاون مع جميع الأطراف المعنيين في هذا المجال على أساس إقتراح معروف للرئيس بوتين، هو جبهة واسعة لمكافحة الإرهاب، ونعمل سويا على تعزيز مسار آستانا، الذي يجري في إطاره ترتيب الأوضاع في مناطق خفض التوتر واستكمال الإجراءات في المناطق القائمة وتطوير التجربة"، معتبرا "الإجتماع الأخير الذي عقد، هو خطوة هامة في هذا المجال، وقد برهنت مناطق فعاليتها وأدت إقامتها الى تخفيف العنف"، مشددا على "وجوب "توسيع المصالحات الميدانية"، مشيرا الى ان "مرحلة اعادة الاعمار قد بدأت".
 
واكد ضرورة "مواصلة الجهود الرامية الى التسوية السياسية من خلال الحوار في جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة على أساس القرار 2254"، معتبرا ان "من بين التعقيدات القائمة استمرار الخلافات بين مجموعات المعارضة"، داعيا الى "التخلص من الشروط التعجيزية والإنتقال الى مناقشة بناءة لخطوات ملموسة، مثل تعديل الدستور وتحضير الأنتخابات برعاية الأمم المتحدة".
 
ورأى أن "الحل في سوريا يجب أن يكون سلميا سياسيا، على أساس بقاء الدولة موحدة ذات سيادة"، رافضا "التقسيم"، مؤكدا انه "الوجود العسكري الأميركي أم غيره هو وجود مؤقت وسينتهي حتما".
 
وبشر بأن "التطورات الإيجابية في سوريا تفتح مجالا لعودة اللاجئين السوريين الى وطنهم"، داعيا المجتمع الدولي إلى "المساهمة في تحقيق العودة وترتيب التنسيق بين الأطراف المعنيين، وبخاصة سوريا والدول المجاورة"، لافتا الى ان "هذا الأمر يتعلق أيضا بموضوع إعادة البناء في سوريا"، مبديا قناعته بأن "التقدم نحو الحل في سوريا سيساهم في الجهود المبذولة من أجل إيجاد الحلول للنزاعات الأخرى، ولكن المسألة هنا تتعلق بمواقف الأطراف الذين شجعوا الفتن"، محذرا من ان "تفوق العناد والمماطلة سيؤدي الى استمرار الإنهيار ليس فقط في الشرق الأوسط بل على المستوى الدولي".
 
واشار الى "تطوير العلاقات مع الدول الأوروبية، لا سيما ان معظمها يتعرض لضغوط أميركية، ولا يريد إستمرار العقوبات ضد روسيا، ومع الصين"، مؤكدا ان "روسيا تتواصل مع أوسع عدد من الأطراف الدوليين والإقليميين، وتركز على القواسم المشتركة وتحاول تجاوز الخلافات وإيجاد المخارج"، معتبرا ان "الخلاف الذي لا يزال قائما في الفئة الحاكمة الأميركية لا يسمح بممارسة سياسة موحدة لدولة، وبرغم النهج الأميركي المعادي لروسيا، نحن مستعدون للتعامل بدرجة جهوزية الجانب الأميريكي لذلك".
 
وقال: "في الشرق الأوسط يجب تأمين إستمرار وتطوير التعاون بين الأطراف المحليين لتحويل المنطقة من حال الفتن الطائفية والفوضى الى وقف سفك الدماء واعادة الأمن والأستقرار والبناء والتعاون، وهنا دور كبير لروسيا ولبنان" مؤكدا ان "الهدف الإستراتيجي هو إقرار السلام الدائم في الشرق الأوسط، على أساس قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة ومبادرة عربية مطروحة من بيروت، وان هناك افاقا واسعة للتعامل السياسي الديبلوماسي الروسي - اللبناني في المرحلة المقبلة ومن ضمنه جميع نقاط الأجندة الدولية الأقليمية".
 
وإذ ثمن زيارة الرئيس سعد الحريري الى موسكو، نقل الى المشاركين في هذا النهار الثقافي "أطيب التحيات والتمنيات من الأوساط السياسية الديبلوماسية الروسية، وشخصيا من وزير الخارجية السيد لافروف ونائب الوزير ممثل الرئيس بوتين لشؤون الشرق الأوسط السيد بوغدانوف".