هذه المكتسبات التي يحققها حزب الله تأتي دائما على حساب شرعية الدولة وسيادة الوطن وحرية الشعب
 

ليس سرًا أن الدول والأطراف التي شاركت في الحروب السورية ودول الجوار السوري تتحضر وتبني سياساتها وتستعد لأي تسوية محتملة للأزمة السورية وذلك بالسعي للحصول على نفوذ أو حصة أو أوراق لئلا تدفع أثمانًا بإستثناء لبنان. 
وليس صحيحًا أن رئيس النظام السوري بشار الأسد هو الطرف المؤهل لتوزيع الحصص والهدايا والأثمان على الدول التي شاركت من قريب أو بعيد سياسيًا أو عسكريًا الداعمة له أو تلك التي تدعم المعارضة، فالرئيس الأسد يعلم قبل غيره أن قرارًا غربيًا وتحديدًا أميركيًا وقبل أن يكون إيرانيًا أو روسيًا قد اتخذ باكرًا لمنع سقوطه وسقوط نظامه.

إقرأ أيضًا: حزب الله يلغي مهرجان إنتصار الجيش

فالضغوط الأميركية عملت بشكل فعال على منع كل ما من شأنه أن يشكل خطرا وجوديا على العاصمة دمشق وعلى مناطق الساحل السوري ولكن المستغرب في هذا السياق والذي يبعث على الدهشة أن الفصائل السورية المعارضة والمسلحة والتي كانت تخوض المعارك في ميادين القتال كانت تلتزم بالمحرمات الأميركية ولا تتمرد عليها. 
وكذلك يعلم الأسد أن الدول الخليجية الراعية لفصائل المعارضة والداعمة لها كانت تمنعها من العبث بالتفاهمات الدولية الكبرى وخرق الخطوط الأميركية الحمراء ويعلم الأسد أيضا أن تركيا هي من أسقطت حلب من يد المعارضة ولولا ذلك لما عادت عاصمة سوريا الثانية لنظامه.
وحتى أن النظام الملكي في الأردن كان يضغط على فصائل المعارضة المقربة من عمان وعلى قوات العشائر الأردنية لسحبها من البادية السورية ومن السويداء بما يتيح للجيش السوري النظامي التمدد وتحقيق إنجازات مما ساعد النظام على الوقوف أمام العالم بموقع المنتصر وإبهاره بنصر دمشق المبين، فالأردن يحصن حدوده ويفرض ما يناسبه وحصل على الأقل على بعض مطالبه في شأن الجنوب السوري وذلك بحماية وإقرار من الطرفين الأميركي والروسي. 

إقرأ أيضًا: فاجعة العسكريين قضية وطن

وكذلك فإن إسرائيل إستطاعت أن تضمن حماية لحدودها وتمكنت من فرض قواعدها وخطوطها الحمر ويظهر ذلك من الضربة الجوية التي قام بها الطيران الحربي الإسرائيلي الأسبوع الماضي مستهدفًا مركزًا لإعداد الصواريخ السورية والإيرانية قرب قاعدة حميميم الروسية دون أن يتعرض لها أي طرف عامل في الميدان السوري، وأيضًا فإن إيران وتركيا كلاهما جزء من ثلاثية إتفاق أستانا مع روسيا. 
حزب الله من جهته الذي يراقب الترددات التي يثيرها من حوله جراء إنغماسه في الحروب السورية منذ اللحظة الأولى لإشتعالها والتي يشكل جزءا بسيطا منها خوضه معارك جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان في المنطقة الحدودية اللبنانية - السورية وما أدت إليه من إنعكاسات لا تزال تتفاعل فصولًا فإنه يسعى للحصول على ثمن في التسوية السورية المرتقبة مقابل ما قدمه للنظام السوري من خدمات عسكرية حيث أنقذه في عدة مواقع رغم كل المطالبات الدولية والإقليمية بإنسحاب كل الميليشيات من سوريا عندما يتم التوصل إلى تسوية سياسية فعلية لأزمتها. 
ومن الطبيعي أن الأثمان المطروحة تتفاوت تبعا للتفاوض الذي ستتولاه إيران عن نفسها وبالنيابة عن حزب الله وليس في موقع الحزب فحسب بل في حصوله على مكافأة كبيرة تتلائم وحجم مشاركته في الحروب السورية والخسائر التي تكبدها جراء هذه المشاركة. 

إقرأ أيضًا: من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
لبنان الرسمي ولبنان الوطن هو فقط الذي كان ولا يزال يدفع أثمانا للصراعات العربية وللتقاطعات الإقليمية والدولية ويشكل معبرا دائما للنزاعات والخلافات للأطراف الخارجية وعلى أرضه تشتعل الحروب بالوكالة عن الغير وذلك يعود لإنغماس مكوناته السياسية والحزبية بمتاهات ومماحكات وإختلافات فئوية ضيقة وإرتباط كل مكون بطرف خارجي فيتحول إلى أداة صغيرة في مشروعه الكبير. 
والدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها وأجهزتها عجزت عن منع حزب الله عن التورط في الوحول السورية وعجزت عن إقامة مهرجان إحتفالًا بالإنتصار الذي حققه الجيش اللبناني في الجرود ضد الإرهاب في إطار المهمة العسكرية والمساحة الجغرافية التي حددها حزب الله له فهي أعجز من أن ينالها حصة أو يكون لها دور في التسوية السورية المقبلة. 
وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد قال في وقت سابق أن من سيكون على الأرض في الميدان السوري سيكون له الموقع المتقدم في المنطقة. 
لهذا فإن حزب الله يحاول إستثمار وجوده المسلح في سوريا في الداخل اللبناني وهو الذي يهيمن فعليًا على البلد ويحاول شرعنة هذه الهيمنة من خلال الإنتخابات النيابية المقبلة بالسيطرة على مجلس النواب وذلك بالحصول على الغالبية النيابية مع حلفائه الذين سيؤمن وصولهم أو يساعدهم في ذلك، وهذه المكتسبات التي يحققها حزب الله تأتي دائما على حساب شرعية الدولة وسيادة الوطن وحرية الشعب.