أنه قدر الشعب اللبناني أن يحمل على عاتقه أعباء وموبقات طبقة سياسية فاسدة أمعنت في الإنحراف والفساد والصفقات المشبوهة، وأن يدفع أثمانًا باهظة لإستهتارها بالمسؤوليات التي تصدت لها، واستخفافها بالمهمات الموكلة بها، وتشبثها بالمناصب والمراكز والمؤسسات التي صادرتها بقوة الأمر الواقع وحولتها الى ما يشبه المزارع الخاصة تسرح فيها وتمرح دون أي رادع أخلاقي ودون اي وجل وخوف من أي محاكمة أو حساب أو عقاب. 
فمكونات هذه الطبقة السياسية الفاسدة تتقن فن المراوغة والخداع والدجل السياسي والتلاعب على الألفاظ واستنفار المشاعر والأحاسيس، والمراهنة على مصير البلد ومستقبل شعبه، وابتكار الذرائع والحجح الواهية واختلاق الأزمات والمشاكل وبث روح التفرقة والإنقسامات الحادة بين شرائح المجتمع اللبناني، وتزوير الوقائع والحقائق. 

إقرأ أيضًا: فاجعة العسكريين قضية وطن
وفي ظل هذه الطبقة السياسية الفاسدة فقد اللبنانيون أي إمكانية للتوافق على أي قضية من القضايا التي تواجههم، وغابت الرؤية الموحدة لإيجاد الحلول للأزمات والمشاكل المتفاقمة والمتراكمة التي وضعت البلد على حافة الإنهيار وسقوط الهيكل على رؤوس الجميع. 
وبات الإختلاف هو النهج المعتمد بين أركان الحكم حول اي مسألة من المسائل حتى في التفاصيل والمفردات الصغيرة، لدرجة أصبح من الصعوبة بمكان بل من المستحيل التوافق على أي مناسبة وطنية وعلى أي مفصل من مفاصل الحياة السياسية. 
وإذا كان الإختلاف في اي بلد من بلدان العالم بين فريق في الحكم وفريق في صفوف المعارضة نهج مشروع ودليل عافية، وذلك لأنه ينطلق من خلفيات مصالح البلد وتطوره ونموه وفي برامج تحسين اقتصاده ورفاهية المواطن وتحسين مستوى معيشته بتقديم خدمات إضافية له ولأسرته في كافة المجالات الحياتية وعلى كل المستويات. 

إقرأ أيضًا: من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
أما في لبنان فإختلاف الأطراف السياسية والحزبية ينشأ على واقع تقاسم الحصص وتوسيع المساحات والمربعات التي يعمل عليها كل فريق الذي يسعى لفرض خياراته السياسية على الآخرين بما يتوافق مع مشروعه الخاص ولو كان على تناقض تام مع المشروع الوطني، أو يؤدي إلى زج البلد في أتون الصراعات الإقليمية والدولية حتى تحولت الحياة السياسية في البلد إلى مسرحيات ومهازل. 
واخر مهزلة هو الإعلان عن تأجيل الإحتفال الرسمي الذي تقرر احياؤه مساء اليوم الخميس وسط العاصمة بيروت لمناسبة الإنتصار الذي حققه الجيش في الجرود ضد الجماعات الإرهابية وتحريرها من تنظيم داعش وجبهة النصرة وأمثالهما، وترحيلهم من هذه المنطقة باتجاه الداخل السوري. 
وفي تفاصيل هذه المهزلة أنه لم تكد تمر ساعات على إعلان وزيري السياحة والدفاع في مؤتمر صحافي مشترك عن مهرجان سيقام في ساحة البرج احتفالا بالنصر الذي حققه الجيش اللبناني ضد الإرهابيين في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان حتى بادر وزير السياحة للإعلان عن تأجيل المهرجان لأسباب لوجستية. 

إقرأ أيضًا: صفقة مشبوهة وقسمة ضيزى
وفي معرض تبرير الإلغاء وليس التأجيل كما هو واضح والذي جاء من القصر الجمهوري، أنه وبناءًا على معلومات أمنية تفيد أن من بقي من خلايا إرهابية نائمة في لبنان قد تستغل مثل هذه المناسبة الاحتفالية للإنتقام من الجيش ومن المحتفلين رسميين وشعبيين، مع الإشارة إلى أن المصادر نفسها شددت على عدم وجوب الهلع من الأسباب الأمنية التي أدت إلى خيار التأجيل. 
وفي سياق متصل فقد تسربت معلومات عن السبب الحقيقي لألغاء هذا المهرجان وتفيد بأن حزب الله مارس ضغوطًا كبيرة باتجاه الغائه وليس تأجيله، انطلاقًا من استيائه من فكرة الإحتفال لعدم تضخيم دور الجيش، هذا في الوقت الذي طلب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري خلال زيارته إلى روسيا تعاونًا عسكريًا مع لبنان، وقال في ختام لقائه الثنائي مع رئيس الحكومة الروسية ديميتري ميدفيديف أننا في صدد إعادة تسليح الجيش اللبناني، ونريد تعاونًا عسكريًا بين لبنان وروسيا، فيما يسعى حزب الله إلى ضرب هيبة الجيش واضعافه، وصولًا إلى تهميش دوره ومصادرته إنطلاقًا من المعادلة التي يحرص حزب الله على المحافظة عليها والمتمثلة بأنه بقدر ما يضعف دور القوى الأمنية اللبنانية ويتراجع يتوسع دور الحزب ويزداد هيمنة على البلد ومصادرة لقراره، والعكس صحيح.