من الطبيعي أن تفرزَ تغريدةُ الوزير السعودي ثامر السبهان الواقع اللبناني، بين فريقٍ مؤيّدٍ لها ويشعر أنها حقنته بمنشّطات في مواجهة الخصم اللدود «حزب الله»، وفريقٍ مرتابٍ منها ويشعر أنها لم تأتِ من فراغ، بل ضمن أجندة عمل كانت لها مقدِّماتُها خلال زيارة السبهان نفسه الى بيروت الشهر الماضي، وما رافقها من حملةٍ سياسيةٍ عنيفة على الحزب، وسيكون لها ما يليها حتماً، الأمر الذي يوجب أخذ الحيطة والحذر من خطواتٍ تالية تترجم المضمونَ الحربي الذي تضمّنته التغريدة ضد «حزب الله».
 

بمعزلٍ عن الانتعاش الذي أصاب البعض في لبنان، وعن الارتياب الذي أصاب البعض الآخر، وعن اللغة الشديدة القساوة التي استخدمها السبهان في مخاطبة «حزب الله» وتوصيفه بـ»حزب الشيطان»، فإنّ التصعيدَ السعودي ضدّ الحزب استولد سؤالاً: لماذا في هذا التوقيت بالذات؟

وإلامَ يرمي أو يؤسس هذا التصعيد، وخصوصاً في تخييره اللبنانيين بين أن يكونوا مع «حزب الله» أو ضده. وكذلك في وضع لبنان ومَن يتعامل مع الحزب أو يتحالف معه، في موقع مَن سيدفع الثمن؟

التغريدةُ حالياً، على موائد التشريح السياسي، لفكفكة رموزِها وشيفرتها، وتحديد أبعادها ومراميها، وأهم من كل ذلك هو معرفة السرّ الكامن خلف لغة التعميم التي اعتمدتها حيال لبنان، والتوعّد بدفعه، أو تدفيعه ثمنَ ما يقوم به «حزب الله»، خصوصاً وأنها في الأساس سقطت على واقعٍ لبنانيٍّ هشّ في شتى مفاصله، ومرتجٍّ حكومياً، ومنقسمٍ على ذاته سياسياً، ومفترقٍ بشكل حاد حتى حول الأساسيات والبديهيات والأمور الأقل من بسيطة.

الخلاصاتُ الأوّلية لهذا التشريح، أعطت التغريدة ثلاثة أبعاد:

• الأول، يربطها بما يُحكى عن تسويات تجري حياكتُها في المنطقة، ويقدّم التغريدة كرسالةٍ مباشرة الى «الطباخين الكبار» بعدم تجاوز المملكة في هذه التسويات، والتغريدة تستبطن تأكيداً سعودياً غير مباشر بأنّ المملكة لا تقبل تجاوزَها، وأنها ما زالت تملك في يدها أوراقاً قوية يمكن أن تلعبها في أيِّ وقت وعند الضرورة.

• الثاني، يربطها بالتطوّرات «الإيجابية» المستجدّة بين الرياض وطهران، مع لحظ تزامن تغريدة السبهان مع «الانفتاح» السعودي الإيراني، الذي طفا فجأة على سطح المشهد الإقليمي، وعادت معه لغةُ الكلام والزيارات بين البلدَين، بعدما تعطّلت هذه اللغةُ لسنوات، وضاعت بين المتاريس المنصوبة بين السعودية وإيران من اليمن الى العراق فسوريا وصولاً الى لبنان.

وهذا التزامنُ يندرج في سياق محاولة تجميع الأوراق قبل الجلوس الى الطاولة مع الإيرانيين، والتأكيد المسبَق من قبل المملكة على الفصل بين علاقتها وتطوّرها مع إيران، وبين موقفها المبدئي من «حزب الله»، ومن سائر الملفّات التي تعنيها في الدول الأخرى. ما يعني ترسيم حدود «الانفتاح» على إيران، وحصره ضمن النطاق الضيّق بين البلدَين، ولا مفاعيل له على المستوى الإقليمي.

• الثالث، بعدٌ لبنانيّ، يشرِّح مضمونَ التغريدة كما يلي:

¶ إنها تعبّر بشكل دقيق عن حقيقة الموقف السعودي من «حزب الله»، والصياغة القاسية لها، تندرج في السياق التقليدي، بل الطبيعي لموقف المملكة من الحزب المصنّف من قِبلها حزباً إرهابياً، وثمّة محطات كثيرة سعت فيها المملكة بكل قوّتها سواءٌ في الأمم المتحدة، أو مع اصدقائها الدوليين واللبنانيين لوضع حدٍّ نهائي لهذا الحزب الإرهابي العابر للحدود على حدِّ توصيفها.

¶ إنها تعبّر عن ضيقٍ سعوديٍّ شديد ممّا آلت اليه الحال في لبنان، سواءٌ على المستوى السياسي أو ربطاً بالتطوّرات الأمنية والعسكرية التي شهدها في الآونة الأخيرة.

¶ إنها تشكّل استكمالاً لزيارة السبهان الى بيروت ومناخ التصعيد الذي رافقها ضدّ «حزب الله»، وتؤشر الى أنّ لبنان مقبلٌ على مرحلة تصعيدٍ سياسيّ بسقفٍ عالٍ جداً.

¶ عندما تقول التغريدةُ السعودية أنّ لبنان سيدفع الثمن، فهذا معناه أنّ ثمّة خطواتٍ ستليها وجاهزة للتنفيذ. وليس مستبعَداً في هذا السياق، وفي فترات غير بعيدة عودة الحديث عن لبنانيّي الخليج. وعن تضييقٍ مالي واقتصادي حيال هذا البلد.

¶ عندما تضع التغريدةُ السعودية اللبنانيين أمام خيارَين، فهذا يعني نسف كل جسور المساكنة السياسية والتعايش السياسي والمصالح القائمة حالياً. فلبنان قائم حالياً في ظلّ حكومة ربط نزاع، ومساكنةٍ وزارية ولو بالإكراه، وتوافقٍ داخلي على تكييف الاختلاف والانقسام السياسي مع منطق التعايش والمساكنة الذي تمثله حكومة الرئيس سعد الحريري.

وبما أنّ هذه الحكومة تشكّل مؤسسة المساكنة السياسية الأولى، ومؤسسة تعايش المصالح الأولى، فقد تكون أوّل المتأثرين والمعرَّضين لأن تلفحهم رياحُ التغريدة السعودية، وبالتالي فإنّ حكومة الحريري أمام مفترق، فهل ما زالت تملك القدرة على الديمومة، وأسبابَ الحياة والاستمرار ما يجعلها قادرةً على مواجهة نذر العاصفة، أم أنها ستكون أوّل هذا المستوى العالي من التصعيد ضدّ «حزب الله» ولبنان؟

على أنّ هذه التغريدة في نظر مرجعٍ سياسيّ، جاءت من خارج سياق الأحداث الممتدة على طول المنطقة، وبحسب قوله: الذي استهلّه ممازحاً «أين جاءت هذه التغريدة على تويتر، أو خط التوتر والتوتير؟

ثم اضاف: أنا أراقب الوضعَ في المنطقة، وخصوصاً المسارَ السعودي الإيراني الذي تطوّر إيجاباً ولو بنسبة ضئيلة في هذه الفترة، لا أقول إنّ الامورَ بين البلدين قد تُفتح على مصراعيها في القريب العاجل، إنما هناك خطواتٌ أولى في هذا المسار قد بدأت، ومن هنا أنا أحكم على التغريدة بأنها تعبيرٌ انْفعالي على أمور قد حصلت في لبنان، بعثت الإستياءَ لدى البعض، ورغم نبرة صوتها القاسية، إلّا أنها ليست من النوع الذي يمكن أن تترتب عليها مفاعيل كبرى أو نوعيّة تؤسّس لخلطٍ جديد في الأوراق.

ولنفرض ان كان الهدف هو خلط للأوراق فهل هذا بالأمر السهل؟ في أيّ حال أراها تغريدةً عابرة، ولنراقب خواتيم الأمور بين السعودية وإيران فهنا بيت القصيد.

ولشخصيّة وسطية قراءة لافتة لتغريدة السبهان، بحيث لا ترى ما يوجب إطلاقها، خصوصاً وأنها ستفتح المجال لبعض القوى اللبنانية بأن تضع التغريدة في موقع الاتّهام بصبِّ الزيت على نار الانقسام الداخلي وفتح حلبات الاشتباك على مصراعيها، وبأنها أي التغريدة تشكّل قرينةً بأنّ الحملة على «حزب الله» من قبل بعض الأطراف السياسية في لبنان، موحى بها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتغريدة.

على أنّ هذه الشخصية تعبّر عن خشيةٍ تتملّكها «من دخول البلد في اشتباك سياسي قد تترتّب عليه تداعيات تتعدّى السياسي الى النطاق الاقتصادي والمالي، علماً أننا لا نُحسد أبداً على وضع ماليّتنا العامة التي تعاني حالاً من الجفاف حتى لا نقول أكثر».

يبقى أنّ «حزب الله»، ورغم استيائه الشديد من المنحى التصعيدي السعودي ضده، فإنه يتعمّد الظهورَ بمظهر غير المعني بتغريدة أو موقف سعودي ملزم لغيره من أصدقاء المملكة. ولن تكون له مفاعيلُ انقلابية في الواقع اللبناني، وكذلك في الواقع المستجدّ في المنطقة.

ولكن إذا كان الهدف هو الحكومة، فالكل يتضرّرون إذا ما لفحتها رياح العاصفة، بما فيهم «حزب الله»، كون هذه الحكومة تشكل أحد عناوين الاستقرار السياسي وغير السياسي، لكنّ أكثر المتضرّرين سيكونون في المقلب الآخر، وفي مقدّمهم سعد الحريري، الذي توفّر له الحكومة حضوراً فاعلاً ومعنوياتٍ سياسية وخصوصاً في بيئته التي يتعرّض فيها لمنافسة شديدة، جعلته غيرَ متحمّس لإجراء انتخابات نيابية فرعية في واحدة من مناطقه، لأنها غيرُ مضمونة النتائج رغم هذا الحضور والمعنويات المتوفِّرَين في ظلّ حكومة يرأسها، فكيف سيكون الحال، إن فعلت العاصفة فعلها ودخل البلد في أزمة حكومية هزّت الحكومة وكل تركيبتها؟