هو العيد الأخير الذي يتلاقى فيه أهالي العسكريين الشهداء، عائلات من مناطق وطوائف ومذاهب مختلفة، جمعتهم المصيبة ثلاث سنوات ونيف، جمعهم الخوف والأسى، إجتمعوا في خيمة الاعتصام في رياض الصلح، صعدوا الى الجرود بحثا عن أبنائهم، عقدوا اللقاءات مع كل من يمت الى السياسة والأمن بصلة، تلقوا الوعود، وواجهوا ظلم الدولة ولامبالاتها بحرقة قلوبهم التي إنفطرت على هول الفاجعة التي حلت عليهم عشية العيد المبارك.

ثلاث سنوات، وأهالي العسكريين الشهداء ينتظرون العيد الحقيقي في لقاء أبنائهم، لكن هذا العيد لم يأت، لا بل تحول الى مأتم، والى ورشة إستعدادات للقاء رفات العسكريين في نعوش في الموعد الذي تم تحديده في السابع من أيلول بعد الانتهاء الكلي من تحديد رفات كل شهيد تمهيدا لتسليمها الى ذويه.

ثلاث سنوات والفرح يجافي الأهالي أمهات وآباء وزوجات وأولاد وأشقاء، والخوف يفرض نفسه على الجميع، كان بعضهم يمنّي النفس بأن يضع عيد الأضحى حدا لتلك القضية الوطنية ـ الانسانية التي لا يستطيع قلب أن يتحمل مآسيها، وأن يحمل العيد الفرج والفرح بلقاء فلذات الأكباد، لكن العيد الأخير كان بمثابة معمودية حزن، فلا العسكريين سيعانقون الأهل، ولا الدولة عاقبت المجرمين الارهابيين، ولا المعركة أفضت الى قتلهم أو أسرهم، بل جاءت المفاوضات لتخرجهم من الأرض التي عاثوا فيها قتلا وفسادا وإفسادا، معززين مكرمين الى حيث الملاذ الآمن لاستكمال إرهابهم، فكان الأهالي وحدهم الضحية، لا بل الأضحية التي قدمت قربانا على مذبح هذا العيد.

كل الكلمات لا يمكن أن توصف الحزن الذي يستوطن قلب حسين يوسف، هذه القامة التي إستوطنت قلوب اللبنانيين، بالأسى الذي خطّ ندوبا على وجهه النحيل، بقوة الارادة، وصلابة الموقف، وصدق العهد الذي قطعه مع إبنه الشهيد محمد يوسف بمتابعة القضية حتى النهاية، وإحتضانه كل العائلات، وتلقيه الصدمات عنها، وتمريرها بهدوء خوفا من سقوط شهيد خوف أو رعب أو خبر من العيار الثقيل.

عندما إنهار حسين يوسف في خيمة الاعتصام، بعدما أبلغه اللواء عباس إبراهيم بالخبر الأليم، سقط الحصن الأخير لعائلات العسكريين الشهداء التي خرجت عن طورها، وعن صمتها، وأطلقت العنان للاتهامات التي لم توفر أحدا، في مشهد يُدمي القلوب، إذا لم نقل يُبكي الحجر.

رغم حزنه الذي يُثقل الجبال، يُعرب حسين يوسف عن فخره وإعتزازه بابنه محمد وسائر العسكريين الشهداء الذين فضلوا الاستشهاد على الانشقاق، وعلى خيانة وطنهم وشرفهم العسكري، فارتضوا أن ينفذ فيهم حكم الاعدام لتبقى مؤسستهم العسكرية عزيزة كريمة، وليبقى وطنهم بمعزل عن الارتهان.

يعتبر حسين يوسف أن ما حصل هو أمر خيالي، ويُلحق ظلما كبيرا بالجيش اللبناني عموما، مؤكدا أن كل من تنازل أو تخاذل أو تواطئ يجب أن يحاسب وأن يدفع الثمن، مؤكدا أن الأهالي يتجهون لرفع دعوى قضائية ضد كل من يُظهره التحقيق مقصرا في هذه القضية، فهؤلاء العسكريين هم شرف لبنان وعزته وكرامته وسيادته.

يقول يوسف: إن أبناءنا إستشهدوا على يد سفاحين وإرهابيين، لكنهم قتلوا مرة ثانية بالمفاوضات التي أفضت الى إخراج قاتليهم من لبنان من دون حساب أو عقاب، فالقاتل يقتل، هكذا يقول الشرع وهكذا يقول القانون، وعندما لا يطبق الشرع والقانون، يكون هناك خلل كبير، وهذا الخلل ناتج عن تقصير وتخاذل، وكل مقصر ومتخاذل يجب أن يحاسب، ليس لشيء، بل لكي يرتاح العسكريون الشهداء في عليائهم.

(سفير الشمال)