فليسمح لنا هؤلاء المتسلطون على مفاصل البلاد والقابضون على رقاب العباد بالسكوت أو على الأقل بلحظة صمت ليس حدادًا على أرواح تسعة عسكريين شهداء سقطوا في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ وفي الحسابات الخاطئة
 

اعتاد اللبنانيون أن يسمعوا من حكامهم اقوالًا ولا يرون افعالًا لقد اعتاد الشعب اللبناني أن يسمع من حكامه إن كان على المستوى الرسمي رؤساء ووزراء ونواب وغيرهم أو على المستوى الحزبي تنظيمات وحركات وميليشيات وأحزاب شعارات ونداءات وخطابات وتصريحات وكلام أكثر بكثير من ترجمة ذلك على أرض الواقع. 
نعم اعتاد الشعب اللبناني أن يسمع من حكامه وقادته وزعمائه من العبارات المنمقة والكلام المعسول والإرشادات الحكيمة والدعوات إلى الخير والحق ما تلين منه القلوب وما يفتت الصخر ويذيب الحديد لكن ما يتلمسونه من أفعالهم وما يرونه من ممارساتهم وبأم العين ما يناقض تمامًا هذه الأقوال. 

إقرأ أيضًا: صفقة مشبوهة وقسمة ضيزى
فاليوم وفي هذه اللحظة الحزينة من تاريخ الوطن والتي يتم فيها اغتياله فليسمح لنا هؤلاء المتسلطون على مفاصل البلاد والقابضون على رقاب العباد بالسكوت أو على الأقل بلحظة صمت ليس حدادًا على أرواح تسعة عسكريين شهداء سقطوا في المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ وفي الحسابات الخاطئة وليس حزنا على تسعة ورود ذبلت وسقطت في غير أوانها وليس مهابة واجلالا لقداسة الموت وليس مراعاة وتضامنا مع أمهات ثكلى وأباء مكلومين بجروح اللهفة والشوق والإنتظار وليس إحساسًا مع براءة الطفولة لأيتام فقدوا عاطفة الاب ورعايته وليس شعورا مع أخوة وأخوات ادمت اللوعة والفاجعة قلوبهم وليس على تسعة شموع اطفأتها رياح إقليمية هبت عاصفة من رمال الصحراء العربية المتصلة بالصحراء الإيرانية. 
وليسمح لنا هؤلاء العابثون بأمن البلد واستقراره والمتحكمون بمصيره ومستقبله والمتاجرون بالدماء والأرواح والتابعون لأسياد لهم يتقاطعون معهم في لعبة داخلية وإقليمية ودولية قذرة. 

إقرأ أيضًا: الإستغناء عن خدمات داعش
فليسمح لنا هؤلاء الذين أعمى بصرهم وبصيرتهم بريق الذهب ولمعان الفضة ورونق الدولار والدينار وبهرهم عرش الزعامة والسلطة فصغرت في أعينهم الكرامة والمروءة والشهامة فباعوا الضمير والأخلاق والإنسانية بأثمان بخسة وافترشوا الذل والهوان والتحفوا بعار النذالة والسفالة والحقد والضغينة. 
فليسمح لنا هؤلاء الذين يتخذون من الطائفية والمذهبية متراسًا لزرع الفتن والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد. 
فليسمح لنا هؤلاء الذين يجيدون فنون الإستغباء والإستحمار والتلاعب على الألفاظ للتوغل أكثر في إغراق البلد في مهاوي الجهل والتخلف والفقر والرذيلة. 
فليسمح لنا هؤلاء وكل من يدور في فلكهم بلحظة حداد على الوطن الممزق وبدمعة حارقة على مستقبل أجيال جنينا عليها وما جنت على أحد وآهة حزينة على حلم وأمل يتلاشى ويضيع كريشة في مهب الريح. 

إقرأ أيضًا: التحضير لمعركة الجرود أكبر من المعركة.
فالوطن في حالة احتضار وحكامه يتبارون بمن امتشق سيف الدفاع عن الأرض والعرض. ويتقاذفون التهم بمن أغرق البلد بوحول الأزمات والمشاكل والمديونية كل ذلك وأبنائه في عالم آخر يدفعون ثمن تبعيته للخارج وارتهانه للمصالح الدولية والإقليمية والسماسرة يعرضونه في سوق المزادات والنخاسة. 
ففي معركة تداخل فيه الداخل بالخارج خرج الكل منتصرًا إلا الوطن خرج مهزومًا ومكسورًا ومثخنا بالجراح من السهام التي اخترقته وأتته من كل حدب وصوب فيحق لنا أن نقف لحظة حداد وصمت على الوطن السليب .