غداة إعلانه «الانتصار والتحرير الثاني»، أعلن الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله عن زحف شعبي الى بعلبك غداً، وبذلك يكون قد توّج مساراً طويلاً منذ العام 2005، سيفضي الى ولادة جمهورية ثالثة، قد لا يكون تعديل «اتفاق الطائف» نصيّاً، مدخلها في الضرورة، لكن يمكن القول انّ «اتفاق الطائف» في صيغته القديمة قد حوّلته الممارسة وانقلاب موازين القوى نصاً منسيّاً.
 

تشير أوساط معارضة الى «انّ الحزب تمكّن بالفعل بعد 12 عاماً على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، من اعادة تثبيت توازن لمصلحة مشروعه، سيكون كافياً للانقضاض على ما تبقّى من دولة ومؤسسات، وهذا التوازن الجديد قد تكرّس تباعاً بعدما تعرّضت القوى المواجهة لمشروعه الى استنزاف مُمنهج، أدى الى انكفاء جزء منها على شكل مشاركة في تسوية رئاسية وحكومية، وبقاء جزء آخر خارج السلطة يخوض معارضة لم تجتمع داخل اطار واحد».

وتقول اوساط سياسية: «انّ جمهورية «حزب الله» الثالثة ستكون على أنقاض الطائف (من دون نسفه آنيّاً)، كما انها ستضع لبنان دولياً وعربياً في المحجر، في حين انّ الساحة الداخلية ستشهد تصاعداً في ترهيب كل من يخالف هذا الاتجاه».

وتوجز الاوساط ما حصل وما سيحصل في الفترة المقبلة بالآتي:

«أولاً: ما يريد «حزب الله» تحقيقه من خلال تظاهرة بعلبك، شبيه الى حد كبير بما قام به في 8 آذار 2005، حيث نظّم تظاهرة كبرى، لدعم النظام السوري، هي في حد ذاتها احتشاد لإعادة تثبيت توازن اختَلّ بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويومها أطلق نصرالله مواقف تذكيرية، مؤكداً انه جزء من مشروع كبير على مستوى المنطقة («لبنان ليس أوكرانيا»)، ومعيداً تظهير التحالف مع النظام السوري المتهم باغتيال الحريري.

واذا كانت تظاهرة 8 آذار بالنسبة الى «حزب الله» تظاهرة دفاعية، للوقوف في وجه دينامية شعبية وسياسية بدأت تتشكّل غداة اغتيال الحريري، فإنّ تظاهرة بعلبك، وتسميتها تظاهرة الانتصار الثاني، لا تمتّ بصِلة الى مهرجان بنت جبيل، الذي تكلّم فيه نصرالله غداة انسحاب اسرائيل في العام 2000، بل هي حركة هجومية لتأكيد الانتصار في الداخل اللبناني، ولإعلان ولادة «جمهورية حزب الله»، على أنقاض الطائف والمحكمة والقرارات الدولية.

ثانياً: اذا كانت مرحلة العام 2005 قد أنتجت ثورة 14 آذار المضادة التي تأسست بشرعية شعبية غير مسبوقة، فإنّ جزءاً ممّن شاركوا في 14 آذار، أصبحوا خارج الخدمة في ما يتعلق بمواجهة مشروع الحزب، لا بل أنهم باتوا عملياً يشكّلون أوكسيجيناً لمشروع الحزب بعد قبولهم بالتسويات الاخيرة، ومشاركتهم في حكومة للحزب فيها الأكثرية والقرار، وصمتهم على تغييب دور مؤسسات الدولة، ما قبل معركة عرسال وما بعدها.

وهذا اللاتوازن سيقود الحزب الى مزيد من الاندفاع في القضم، لأنه نجح في استيعاب معارضيه داخل السلطة، ومحاصرة من هم خارجها، في خانة اللافعل.

ثالثاً: على رغم الجهود والاتصالات المتواصلة، لم تولد بعد معارضة وطنية قادرة على حمل مشروع يواجه الخطر المحدق بالدولة و»الطائف». وعلى رغم استمرار الجهد المنظّم لولادة هذه المعارضة، فإنّ المهمة التي تنتظرها هي الاصعب، خصوصاً انّ «حزب الله» تمكّن من الامساك الفعلي بالسلطة، ولا ينتظر أن تكون النتائج مغايرة في الانتخابات النيابية، بسبب الاختلال في موازين القوى الذي سيسمح للحزب بتشتيت معارضيه، وبفوزه بغالبية نيابية مريحة تمكّنه لاحقاً من الانتقال من جمهورية الامر الواقع الثالثة، الى دستور جديد يشرّع السلاح ويعيد تركيب التوازن الداخلي، على نحو يتلاءم مع حجم «الانتصارات».