كان يمكن لوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان ان يصول ويجول في زيارته الأخيرة للارجاء السياسية والطبيعية اللبنانية لبضعة ايام إضافية ويستكمل مروحةً كبيرة من اللقاءات مع المسؤولين الكبار والمرجعيات والقيادات السياسية والدينية، ولكنّ استدعاءَه الى مهمة عاجلة خارج المملكة العربية السعودية جعله يختصر زيارته للبنان على أن يعود الى بيروت لاحقاً في موعد لم يُحدّد بعد.
 

وأبرزُ الذين التقاهم السبهان رئيسُ الحكومة سعد الحريري والرئيسان نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، ووزير الخارجية جبران باسيل، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل، والوزير السابق اشرف ريفي، والنائب السابق فارس سعيد، والدكتور رضوان السيّد وبعض النخَب من طوائف عدة مسيحية وإسلامية، وكان ختام لقاءاته مع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وغادر بعدها بيروت الى المهمّة التي استُدعِي إليها.

صحيح انّ غالبية هؤلاء ينتمون سياسياً الى فريق 14 آذار، ولكنّ لقاءاته مع ميقاتي وباسيل وجنبلاط (الخارج منذ سنوات من فريق 14 آذار) تؤكد سياسة الانفتاح السعودية على الغالبية الساحقة من الافرقاء اللبنانيين بعيداً من ايّ حصرية في العلاقة مع أحد، فإنّ لقاءه مع ريفي يؤكّد ايضاً انّ الرياض لا تتدخل في التباين القائم بين بعض مكوّنات تيار «المستقبل» وإن كان ريفي سمعَ من السبهان رأياً ينصح بالابتعاد عن الخلافات داخل البيئة التي ينتمي اليها ريفي الخارج من تيار «المستقبل» ويتّخذ منه موقعَ الخصم سياسياً وانتخابياً مؤكّداً انتماءَه الى «نهج» الرئيس الراحل رفيق الحريري ويتّهم الآخرين بالتفريط بهذا النهج.

وفي أيّ حال، يقول مطّلعون على الموقف السعودي، سيكون على جدول اعمال السبهان لدى عودته مجدداً الى بيروت في وقتٍ ليس ببعيد لقاءاتٌ مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ومروحة أخرى من القيادات، وعندئذٍ ستتأكّد أكثر فأكثر ثوابتُ السياسة السعودية الجديدة في لبنان والتي بدأ التأسيس لها منذ تولّي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليدَ العرش الملكي.

فلبنان، حسب هؤلاء المطّلعين، دخل موسماً انتخابياً سينتهي بقيام سلطة جديدة وحياة سياسية جدّية، والجميع في الداخل والخارج يريدون تحقيقَ مكاسب في هذه الانتخابات تَخدم مصالحهم الراهنة والمستقبلية في هذا البلد، وليس سرّاً القول إنّ للمملكة العربية السعودية مصالح تاريخية وحالية كبيرة فيه، الى جانب مصالح آخرين من دول عربية وأجنبية متعددة.

ولا مبالغة في القول إنّ السبهان قد يكون استقرَأ بنحوٍ أو آخر بعضَ المواقف والمناخات الاوّلية المحيطة بهذا الموسم الانتخابي قبل ان يدخل الأفرقاء السياسيون إطارَ البحث في التحالفات الانتخابية تحضيراً لخوض المنافسة على كسبِ المقاعد النيابية.

ويقول هؤلاء إنّ ما اجتَهد فيه البعض ويجتهد في الحديث عمّا دار في اللقاءات بينهم وبين السبهان، ليس دقيقاً، وهذا البعض حاول الاستثمار على هذه اللقاءات وإظهار نفسه انّ لديه حظوة لدى المملكة اكثر من الآخرين.

في حين انّ السبهان، وحسب بعض الذين اطّلعوا على أجواء لقاءاته، «لم يأتِ ليرفعَ من الرصيد السياسي لهذا الفريق أو ذاك، على حساب الفريق الآخر، وإنّما ركّز في لقاءاته مع الجميع على وجوب الخروج من دائرة الاختلاف والخلاف الى دائرة التوافق والوفاق، سواء داخل البيئات الطائفية والمذهبية، او داخل البيئة الوطنية العامة، وذلك على قاعدة انّ المملكة تريد ان تكون للجميع ومع الجميع باستثناء من يُخاصمها او يتّخذ موقفاً معادياً لها».

بل إنّ السبهان، وحسب ما رشَح من بعض لقاءاته، ركّز امام الذين التقاهم على وجوب «بناء الهوية الوطنية لجميع الطوائف في لبنان لأنّه المخرج، بل السبيل الوحيد لبناء الدولة اللبنانية»، مؤكّداً «أنّ رسالتنا الآن كمملكة عربية سعودية هي تأكيد الدعم لكلّ مَن يتوجّه الى بناء الدولة وليس الى بناء طائفته». مضيفاً «أنّ المملكة العربية السعودية حريصة على دعمِ كلّ مَن يسعى الى تعزيز الوحدة الوطنية في لبنان بعيداً من الاستثمارات الطائفية والمذهبية». كذلك شدّد على «احترام المملكة للقيَم الوطنية والقواسم المشتركة بين جميع الطوائف اللبنانية».

واللافت أنّ السبهان الذي تزامنَت زيارته لبيروت مع معركة «فجر الجرود» التي خاضها الجيش اللبناني لتحرير جرود بلدتَي رأس بعلبك والقاع على الحدود اللبنانية ـ السورية الشرقية من تنظيم «داعش»، غرَّد خلال هذه الزيارة على «تويتر» قائلاً: «جهود الجيش اللبناني ومحافظتُه على أمنِ وطنه واستقراره تُثبت أنه لا يحمي الدولَ إلّا مؤسساتُها الشرعية الوطنية، وليست الطائفية هي من يبني الدول ويحميها».

على انّ اللقاء الذي جمعَ السبهان مع الحريري تمّ خلاله الاتفاق على استئناف قريب لإجتماعات اللجنة اللبنانية ـ السعودية المشتركة التي من صلاحياتها مناقشة ومعالجة كل القضايا السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية والامنية المشتركة بين البلدين، ومن مهمّاتها ايضاً مأسَسة العملِ الثنائي المستدام من خلال اتفاقات تؤطر العلاقة اللبنانية ـ السعودية في كلّ المجالات، علماً أنّ بين لبنان والمملكة ما يفوق الثلاثين اتفاقية في مختلف المجالات.

وكذلك ينتظر ان يُعلن في الرياض وبيروت قريباً عن إنشاء مركز يُعنى بالحوار بين الشرق والغرب في مختلف المجالات الثقافية والحضارية.

ولم يُهمل السبهان خلال زيارته القصيرة الى لبنان الجانبَ السياحي، حيث حضَر الى جانب الحريري مهرجان بيروت الذي أقيمَ على الارض المحدثة على شاطئ «سوليدير»، في خطوةٍ أراد منها «تأكيد دعمِ السعودية السياحة في لبنان وحِرصها على إعادة الوهج لبيروت كمدينةٍ سياحية ومقصد سياحيّ للعرب عموماً ولمواطني دول الخليج العربي خصوصاً».