إن السكوت على ترحيل المجرمين من تنظيم داعش هو عار على جبين الوطن والإنسانية
 

الملف انتهى والمأساة ولدت من جديد ملف العسكريين المختطفين أغلق وبدأت رحلة العذاب الحزين تسري في القلوب فلم يعد العسكريون مختطفون بل هم شهداء عند ربهم يرزقون وتركوا جروحًا وغصات ودموع وأهات في أناشيد الموت يتردد صداها في سماء الوطن. 
موتهم قد لا يكون المفاجأة بل قد تكون المفاجأة في العثور عليهم أحياء بأيدي ثلة من حثالة البشر لكن انطفاء الشعاع الذي كان يخترق جدار الأمل وانقطاع الخيط الموصول بالسراب وضياع الأحلام البريئة كانت الصاعقة التي اخترقت العقول والألباب والصدمة التي ربطت الألسن عن الكلام. 

إقرأ أيضًا: الإستغناء عن خدمات داعش
الموت حق وفي ساحات الوغى شرف وكرامة لكن الموت صبرًا وقهرًا فله قداسة الأولياء الصالحين، إنهم فتية آمنوا بوطنهم فقدموا أرواحهم فداءًا لعنفوانه وسالت دمائهم على مذبح الوطنية لكن الوطن الذي يقتات من خبز الصفقات والتبعية ويتنفس من هواء المذهبية والطائفية ويعيش بروح الضغينة والحقد الدفين والمؤامرة القذرة فإنه كان قاسيًا في ظلمه لهم وجائرًا في حكمه فظلمهم عندما تقاعس عن نجدتهم لحظة وقوعهم فريسة بأيدي وحوش بشرية وظلمهم حين تركهم لسنوات ثلاث ونيف تحت رحمة عتاة وأوباش يرون سكاكين الذبح تلمع أمام أعينهم وينتظرون الموت الرحيم في كل لحظة وظلمهم الوطن ثالثة عندما ترك القتلة ينجون بفعلتهم الشنيعة ويرحلون بوسائل نقل مريحة ترفرف عليها رايات نجاتهم من القصاص وأعلام الإنتصار على حكم الله القتل بالقتل في إطار صفقة مشبوهة وقسمة ضيزى. 

إقرأ أيضًا: التحضير لمعركة الجرود أكبر من المعركة.
نعم إنهم فتية في عمر الورود وفي ريعان الشباب اثروا الانضواء تحت لواء الدفاع عن الوطن فعجزوا عن حماية أنفسهم وتردد الوطن في واجب حمايتهم فقتلوا مرتين مرة عندما حجب القرار السياسي عن تحريرهم أحياء لحظة وقوعهم أسرى بل أنه تم توفير الغطاء السياسي للإرهابيين للتمادي في غيهم واجرامهم، ومرة أخرى عندما فتحت الممرات الآمنة لهؤلاء القتلة ليرحلوا بسلام إلى جهة هم اختاروها في عمق حاضنتهم دون الإقتصاص من المجرمين الذين ذبحوا العسكريين المظلومين. 
وإذا كان الصمت أبلغ من الكلام لكن ذلك لا يمنع من القول أننا في وطن فيه الجنون هو اللغة المحكية بين أبنائه ففيه يختلط الفرح بالحزن والنصر بالهزيمة والكرامة بالذل والهوان والشرف بالعار، ففي أحد طرفي الشارع ترتفع الرايات البيضاء واقواس الزينة وتقام إحتفالات النصر وفي الطرف الآخر تعلو الرايات السوداء سطوح المنازل وتقام مجالس العزاء والماتم ويخترق العويل والبكاء الأذن الصماء حزنًا وألمًا على تسعة شباب ذبحوا بيد الغدر والخيانة. 

إقرأ أيضًا: الدولة هي الخاسر في معركة الجرود
وإذا كان تحرير بضعة هضاب وتلال في الجرود مبعث فخر واعتزاز، إلا أن السكوت عن رحيل قتلة ومجرمين من هذه الجرود بأمن وسلام فهو عار في جبين الوطن والإنسانية، والتاريخ سيحاسب كل من تواطىء وتخاذل وراوغ وهادن وفاوض وسكت عن جريمة العصر الذي ارتكبها شذاذ الآفاق ويكفينا تبريرات وتصريحات وخطابات واحتفالات إلهية فالجمرة لا تكو إلا في مكانها.