احتفلت الهند الأسبوع الماضي بمرور سبعين سنة على «تقسيمها» واستقلالها في ظل توتر على الحدود بينها وبين الصين، احتجت فيه الهند باسم النيبال، لكن الصين تحدتها والنيبال صمتت. لكن الفورة الاقتصادية التي تشهدها الهند لم تخف ما يجري من غليان في كشمير، فالوضع هناك خطير مع انتقال النضال من المطالبة بالحرية إلى المطالبة بـ«الخلافة الإسلامية»، ويدفع هذا التحول إلى تأجيج الانقسامات بين الجماعات الكشميرية المتشددة التي قد تؤدي إلى تصاعد في مستوى العنف في المستقبل بسبب التنافس بين «الإخوة في الإرهاب».
ويبدو أن الوضع هناك قد يؤدي إلى عودة مجموعات مثل تنظيم «القاعدة في شبه القارة الهندية» الذي يتطلع إلى موطئ قدم في كشمير، ولاحقاً في الهند، حيث إن هناك تقارباً للمصالح بين تنظيم «القاعدة» ومجموعات كشميرية محلية أخرى تدعم قيام «الخلافة الإسلامية في كشمير».
في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام أصدر تنظيم «القاعدة في شبه القارة الهندية» ما يسمى «مدونة سلوك» لأتباعه، وطالب الجماعات «الجهادية» الأخرى بأن تتعهد بالولاء لـ«دولة أفغانستان الإسلامية»، جاء في المدونة: «سنعمل مع الجماعات الجهادية المستقلة عن نفوذ وكالات الاستخبارات في الهند وبنغلاديش وأراكان (بورما). أما الأهداف الرئيسية فهي كالتالي: في باكستان، المصالح الأميركية والمسؤولون العسكريون والشرطة والاستخبارات وحكومة باكستان، والكفار الذين يقمعون المسلمين.
في الهند وبنغلاديش الأهداف هم مسؤولو الشرطة والجيش ورؤساء المنظمات الانفصالية الهندوسية.
في بورما، المستهدفون هم الجيش والجماعات البوذية المسلحة».
رسالة «القاعدة» هذه تختلف بشكل واضح عن الرسائل الموجهة السابقة، فهي تركز على الهند وخصوصاً كشمير. إذ كانت رسالة وجهها التنظيم في شهر مارس (آذار) من العام الماضي حددت الأولويات في الأهداف الرئيسية: «الولايات المتحدة، الجيش، والاستخبارات والأجهزة الأمنية في باكستان والحكومة الباكستانية والملحدين والمجدفين». الجديد في الرسالة الأخيرة أن أهدافها غطت كامل منطقة جنوب آسيا، والسبب في هذا، أن «قاعدة شبه القارة الهندية» تعتبر أن الدولة الهندية هي «العقبة الرئيسية» في تشكيل «الهند الإسلامية».
استغل تنظيم «القاعدة» أمرين.
الأول: منذ مقتل برهان واني العام الماضي (كان برهان مظفر واني من المتشددين الكشميريين وقائد جماعة «حزب المجاهدين» وانتشرت شعبيته بسبب نشاطه على وسائل الإعلام الاجتماعية وعملياته المسلحة ضد الهند في كشمير) منذ مقتله توترت الأوضاع في كشمير. وشابت الذكرى الأولى لوفاته في الثامن من الشهر الماضي، اشتباكات بين قوات الأمن والمقاتلين الكشميريين. وحاول تنظيم «القاعدة» استغلال التوتر الذي أحدثه مقتل واني إلى درجة أن زعيم التنظيم هناك مولانا عاصم عمر (باكستاني) نشر تسجيلاً صوتياً يلقي الضوء على إنجازات واني.
الثاني: الانقسام في «حزب المجاهدين» الذي تسبب به زاكير موسى وهذا عامل مهم آخر. زاكير راشد بهات الملقب بزاكير موسى، هو بنظر الهند إرهابي نشط في كشمير. تم تعيينه قائداً لـ«حزب المجاهدين» بعد مقتل برهان واني، فكان أول نداء وجهه في مايو (أيار) من هذا العام الدعوة إلى فرض الشريعة بالقوة في كشمير، فانشق بذلك عن الخط المعروف بـ«حزب المجاهدين» وهو القتال من أجل «حرية كشمير» باتجاه «كشمير الإسلامية». وفي أول خطاب لموسى عن كيفية تطبيق الشريعة قال: «إذا أراد المنادون بالحرية لكشمير إدارة سياستهم فيجب ألا تكون شوكة في طريقنا وإلا، فإننا سوف نقطع رؤوسهم، وسوف نترك الكفار، ونقتلهم أولا. إن حربنا في كشمير خصوصاً نحن المجاهدين، هي فقط لفرض الشريعة. إنه كفاح إسلامي».
في وقت لاحق من يونيو الماضي أعلن زاكير موسى عن حركة جديدة هي «طالبان كشمير» مرتبطة بتنظيم «القاعدة».
الابتعاد عن شعار «كشمير حرة» ورفض القومية من أجل إنشاء «كشمير الإسلامية» أو كما وصفته مجلة «طالبان» «نواي الأفغانية للجهاد»: «التصحيح الإسلامي لكفاح كشمير»، وجد صدى لدى الشباب الكشميريين، وكذلك لدى «قاعدة شبه القارة الهندية»، لأنه يتماشى مع نهجها المعروف لتطبيق الشريعة في كشمير.
مع هذه الخلفية، فإن الانقسام في صفوف الجماعات المسلحة المحلية ولا سيما داخل «حزب المجاهدين»، وتقارب الآيديولوجيا بين الجماعات المحلية الناشئة و«قاعدة شبه القارة الهندية» وفر نافذة لـ«القاعدة» تمكنه من الدخول إلى الهند، فالتنظيم حتى اليوم فشل في حشد المسلمين الهنود لشن هجمات إرهابية داخل بلادهم. سيكون لزواج المصلحة هذا تداعيات خطيرة على الأمن الداخلي الهندي، فحركة «تحرير كشمير» التي كانت تقارن إلى حد كبير بفلسطين والعراق وسوريا في أعين كثيرين في المجتمع الإسلامي، سوف تجد اعترافاً من «الجهاديين» العالميين، ويرجع ذلك إلى أن هناك إرباكاً «شرعياً» بين المنظمات الإرهابية الدولية التي تتبنى للتغطية، آيديولوجيا إسلامية متطرفة ومختلف الجماعات الكشميرية الناشئة كتلك التي يرأسها زاكير موسى «طالبان كشمير». ولوحظ على مواقع إنترنتية أن هناك تسليط ضوء على النضال الكشميري وتشبيهه بفلسطين والشام (سوريا) وخورسان (أفغانستان)، ويطرحونه على أنه يدعم ما يسمى «الخلافة الإسلامية في كشمير». أما التركيز الأساسي لـ«القاعدة»، فهو على دمج العمليات الإرهابية من أفغانستان، وباكستان، والهند، وبنغلاديش، وميانمار تحت مظلة واحدة في جنوب آسيا.
إن إدماج الهند، وبالذات كشمير، في مثل هذا المسرح «الجهادي» الإقليمي ستكون له عواقب وخيمة، لأنه سيضمن حركة الرجال، والمواد والمال في هذه البلدان، وسيضمن تدفقاً مستمراً للأموال لكشمير من خارج الهند باستثناء باكستان التي كانت الممول الرئيسي للقتال في كشمير حتى الآن. وتشير الحقائق على الأرض إلى أن مفهوم «الخلافة الإسلامية في كشمير» قد حصل بالفعل على دعم «الإخوة في الجهاد».
إن دعوة «قاعدة شبه القارة الهندية» إلى المجموعات المشابهة للاندماج والعمل معها في جنوب آسيا تؤكد أنها تعتزم تشغيل جماعات إرهابية صغيرة في جنوب آسيا. إذ يمكن لهذه الجماعات المستقلة ذاتياً أن تتسبب بمشاكل خطيرة ليس فقط في كشمير، بل في أجزاء أخرى من الهند. وهناك بالفعل إشارات مخيفة لما قد يحصل لاحقاً.
إن الميل نحو «الخلافة الإسلامية في كشمير»، سوف يكثف المنافسات «الجهادية» هناك، وسوف تتقاتل مجموعات مثل «لاشكاري طيبا» و«جيش محمد»، و«حزب المجاهدين»، التي تسعى إلى تحرير كشمير كلها من الهند والمدعومة من باكستان، وسوف تواجه مجموعات بنظرها طارئة مثل «داعش» و«القاعدة» التي تسعى جاهدة لإقامة ما يسمى «خلافة إسلامية في كشمير».
يضاف إلى ذلك، التنافس الدموي والمرير بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في أماكن أخرى خصوصاً في سوريا. كلاهما يشترك في آيديولوجيا «الخلافة الإسلامية»، وستحاول كل مجموعة من هذه المجموعات أن تتصدى لبعضها البعض، الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد العنف في كشمير. فالجماعات المرتبطة بـ«القاعدة» تدعم «هيئة تحرير الشام» التي يشار إليها باسم «تحرير الشام»، وهي تعارض «داعش» في سوريا والعراق. ومن شأن هذا التناقض أن يلعب دوراً دموياً في كشمير أيضا. ثم إن النقاش المطروح، وهو القوميون مقابل «الخلافة الإسلامية» سيؤدي إلى انشقاقات عمودية في مجموعات أكبر. ثم إن الجماعات المنشقة تكون أكثر شراسة وعدوانية مقارنة بأولياء أمورها، تماماً كما حدث مع «داعش» الذي انشق عن «القاعدة».
قد يكون تنظيم «القاعدة» لمح كوة طال بحثه عنها لسنين لمد وجوده إلى الهند، لكن هذه الكوة لن تصبح باباً، لأن التنظيم قد يجد عدواً مريراً في «الدولة الإسلامية» والجماعات «الجهادية» الأخرى تقاتله بدلاً عن الدولة الهندية.
يجب عدم التقليل من خطر إرهاب تنظيم «القاعدة». لأنه في الوقت الذي يخسر فيه «داعش» الأراضي في العراق وسوريا، فإن احتمال أن يبحث المزيد من المقاتلين عن مظلة ومناطق «أكثر اخضراراً» يحولونها إلى مناطق جرداء وركام كما حصل في الموصل، وارد. ويمكن أن تصبح كشمير تلك المنطقة التي ستشدهم وتعيد لـ«القاعدة» دورها الذي كان تسلط عليه «داعش». في كل الحالات إنه إرهاب متنقل يحاول أن يفقأ عيون الدول بعملياته. لكن عيون الهند كثيرة وكبيرة ومفتوحة.