موسى الصدر واحد من أعمدة لبنان الذين أسسوا وعملوا على بناء الدولة والسلام ورفض سياسات الموت في مرحلة الحرب الاهلية فكان وحده
 

واجه اليساريون موسى الصدر منذ انطلاقة حركة مؤمنة بلبنان وطناً ودوراً وبدولة قائمة عليه ومتمسكة بحدودها لا بحدود الأفكار التي سادت في أذهان وممارسات الحركة الوطنية آنذاك وفي فقه بعض رجال الدين المتأثرين بدعوات الخلافة الاسلامية وضرورة العودة الى ماضيها الجميل .
هذا الإيمان بلبنان من قبل الامام موسى الصدر كان نادراً واستثنائياً في ظل موجات هادرة من بحور قومية وماركسية وذبذبات اسلامية شيعية غير معترفة بوطن بحدوده الاقليمية ولا بدولة يرأسها مسيحي عوضاً عن أن الدولة مخلوق مشوه لأنه توّلد على يدّ القابلة المحتلة والكافرة فرنسا كما يرى ذلك اليساريون المنحازون دوماً الى ضم لبنان للمشروع القومي بالنسبة للقوميين وللمشروع الاشتراكي بالنسبة للشيوعييين.
وحده آمن بلبنان كما هو وطناً قائماً بحدوده ودولة مدعوة الى تصحيح الخلال في الشراكة السياسية والتنمية الاجتماعية مع الاعتراف الكامل ببنيها وبالدور المسيحي المتقدم فيها وهذا ما خالفه عليه اليساران الشيوعي والشيعي  لا باللسان فقط و إنما بما أوتيا من قوّة وكان اضطهاد السيّد في مدينة صور من قبل أحزاب الحركة الوطنية ومحاولة تشويه سمعته ومن ثم الكمن له والخروج منها غير خائف بل مؤمن بالرجوع اليها فاتحاً كما فتح محمد ابن عبد الله (ص) مكّة وقد استقبله أهل البقاع كما استقبل النبي الأكرم أهل المدينة وكان قسم العشائر خطوة الألف ميل في مشروع المحرومين .

إقرا أيضا: الحرية علف الحمير والإستبداد أحصنة الأسود مفاهيم قائمة في الشرق ...

كانت يدّ اليساريين الشيعة قاصرة لا كما هي اليوم عن إيذاء السيّد الصدر لكن ألسنتهم كانت تفتي بحرمة التعاطي السياسي مع السيّد الذي خالف ما هو سائد عند علماء المذهب من فقه الخروج والمرتبط بالظهور وبما هو قائم عند دعاة الدعوة من ضرورة قيام الدولة الاسلامية على أنقاض الدولة المدنية التي لا تتمتع بشرعية المشرع وقد آمن بها موسى الصدر دون دليل على شرعيتها المستسقاة من الأدلة الشرعية .
بين الحرُم الشيعي والتهوين والتخوين اليساري والشيوعي تحديداً شقّ موسى بعصاه بحر الفراعنة الجُدد و أسّس خيارات سياسية مخالفة للخيارات السائدة عند اليسارين الشيوعي والشيعي من المجلس الشيعي الى ألى حركة المحرومين وجانب الدولة في مشروع استعادتها في بدايات الحرب الأهلية واعتصم ضدّ الحرب وضحك من ضحك آنذاك من روّاد النضال الوطني ورفض سياسات الموت التي أتقنها المتقاتلون اللبنانيون والفلسطينيون وشدّد على ضرورة إفشاء السلام في لبنان كونه رأس حربة في مواجهة العدو الاسرائيلي وباعتبارالحرب الأهلية خدمة مجانية لاسرائيل وضربة قاضية للقضية الفلسطينية ودع الى تشكيل استراتيجية عربية لتحريرفلسطين ويكون لبنان وجنوب لبنان في مقدمته على أن لا يبقى جنوب لبنان وحده من يدفع فاتورة الصراع ويتحمل وحده عبء القضية في ظل غياب المشروع العربي .

إقرا أيضا: أعلنوا ولاءكم لمحور الممانعة

هذه المواقف وغيرها ضاعفت من أزمة العلاقة القائمة ما بين السيّد وأهل اليسار اللبناني والعربي فأدت الى ارتكاب جريمة العصر وكان اختطاف الامام الصدر ورفيقيه بداية حضور أقوى للسيّد موسى وبعد صراعات عديدة وطويلة في الحرب اللبنانية وبعدها وبعد أن خلع الجميع بذلة القتال ارتدوا عباءة موسى الصدر وتحدث اليساريون عن خطأ الحرب الفادح ولعن المسيحيون الحرب واعتبروا أن السلام كان أفضل الممكن ولكن بعد خراب البصرة .
مع التسليم بالطائف كضرورة لإيقاف الحرب عارض اليساريون بصوت خافت الاتفاق الذي رعته أميركا والسعودية وتم تسليم وتلزيم لبنان للنظام السوري بعد أن بُحت حنجرتهم أو انقطع وريدها بعيد دخول اسرائيل واحتلال لبنان ووضع نهاية مُضحكة لدوري المقاومتين اليسارية والفلسطينية وقد برزتيّار لم يكن أحد يتنبأ بمصيره وقد تحدى وتحداه الجميع وسطع واستطاع أن يكون الأقوى في لبنان بعد صراع عشقه ولم يملّ منه وقد حمل شعارات دينية في البداية ومن بينها الثورة الاسلامية في لبنان ومشروع الدولة الدينية مخالفاُ ومختلف في ذلك مع مشروع الامام موسى الصدر وبعد أن نجح حزب الله في مقاومته العسكرية خسر مشروعه الديني و ألغى شعاراته الاسلامية و ألقاها في سلة الظروف الموضوعية ودخل الدولة المدنية وشيئًا فشيئًا وجد نفسه مضطراً الى قبول أفكار الامام الصدر بحذافيرها وهذا ما كان سهلاً على الوافدين الى حزب الله من حركة أمل وكان أمراً صعباً ومستصعباً على الوافدين اليه من حزب الدعوة الذي لم يؤمن بدور الامام الصدر وحاربه عليه بكل ما أوتيّ من قوّة دينية .
اذاً وبعيد خراب لبنان عاد من عاد ليؤمن بما أمن به الامام الصدر في الوطن والدولة والتحق بقايا اليسارالوطني في مشروع الصدر وتمسك اليسار الاسلامي بمسيرة الصدر من المقاومة الى الدولة و إن بحسابات مختلفة لكنها عكست أزمة النصوص الاسلامية مع الواقع واعترفوا بصعوبة قيام الدولة الاسلامية وباستحالتها وهذا ما شكل الخلل في عقيدة اعتبروها الدواء لكل داء ولكنه غير صالح للإستعمال .