لولا بعض العوائق الجغرافية لكانت عملية «فجر الجرود» التي انطلقت فجر السبت الماضي قد انتهت في «الويك آند» الثالث من آب، فكل المعطيات التي أفرزتها تحدّثت عن قوة الجيش وقدرته على إدارة أصعب المعارك وهو ليس في حاجة الى صديق أو رفيق من غير هيكليته العسكرية اللبنانية الصافية. فما هي المناسبة للحديث عن هذه المعادلة؟
 

يُجمع خبراءُ عسكريون محايدون، وديبلوماسيون وسياسيون ومراقبون من الفئة عينها على قراءة شبه موحّدة لعملية «فجر الجرود» من جوانبها المختلفة، ويسجلون مجموعة من الملاحظات العسكرية والسياسية والديبلوماسية التي أفرزتها بلا تكلّف.

فالوقوف عند كثير من الوقائع كما جرت ينهي كثيراً من الجدل الذي ملأ الشاشات والصالونات السياسية، وأسقط كثيراً من النظريات الوهمية المعلّبة التي سعت الى حرف العملية العسكرية للجيش لإستثمارها في هذا المحور أو ذاك بعيداً من أبعادها اللبنانية.

تعب كثيرون من اصحاب الثقافات التي تتعدّى الحدود اللبنانية عبر كل الوسائل الإعلامية المرئية والمسوعة وعبر مواقع التواصل الإجتماعي لتفسير العملية العسكرية التي أعدّ لها الجيش وخطّط من ألفها الى يائها قبل تنفيذها، في محاولة واضحة لزجّه في آتون الأزمة السورية رغم الجهود التي بُذلت طوال السنوات الست الماضية لإبعاد لبنان عن هذه الحرب وعدم السماح في نقل تردداتها الخطيرة الى الداخل اللبناني.

وهو ما كان سيزيد في الطين بلة وكأنّ لبنان لا يكفيه ما يعانيه من وجود أكثر من مليون ومئتي الف نازح سوري من الموالين للنظام أو من معارضيه على أراضيه في 1300 مخيم عشوائي.

وظهر واضحاً أنّ هؤلاء جهدوا بكل قدراتهم التقنية والإعلامية لإعطاء عملية «فجر الجرود» وجهاً ودوراً مكمِّلين لما سبقها من العمليات العسكرية التي يخوضها «حزب الله» والجيش السوري النظامي على الأراضي السورية والتي لامست مساحة مكملة لها في جزء من الأراضي اللبنانية في تلال عرسال.

فالجميع يدرك أنّ النظام السوري وحلفاءه عرفوا كيف يستغلّون اللحظة التاريخية الأكثرَ ملاءمةً والتي قد لا تتكرّر مرة أخرى لإستكمال السيطرة على تلال القلمون في مرحلةٍ انكفأت فيها كل القوى المعارضة لهما الى منطقة محاصرة من كل الجهات، وفي وقت وُضعت فيه «النصرة» و«داعش» على لوائح الإرهاب الموحّدة لدى طرفي النزاع في سوريا.

وأمام هذه الموجة الهادفة الى التقليل من اهمية ما أنجزه الجيش وربط عمليّته بالوضع السوري، لم يستغرب احد الخبراء العسكريين المحايدين هذه المحاولات ورأى فيها سعياً دؤوباً الى استثمار العملية العسكرية للجيش في غير وجهتها. فقد كشف الناطق الرسمي باسم الجيش اكثر من مرة عن أنه ينفّذ هذه العملية بقدراته الذاتية من دون مساعدة أحد.

وإذ لم يتنكّر الناطق للمساعدة الأميركية والبريطانية فقد نفى أيَّ تنسيق مع «حزب الله» أو الجيش السوري، وقال في وضوح ما معناه: «قطعنا أكثر من نصف المساحة واقتربنا الى الحدود مع سوريا ولم نرَ مقاتلاً واحداً من «حزب الله» أو الجيش السوري». وهذا ما يؤكد أنّ الجيش يقوم بعمليته في أرضٍ لبنانية ولا يحتاج الى مساعدة من أحد والى حين بلوغ نقاط الإلتقاء على الحدود يكون لكلّ حادث حديث».

ويضيف الخبير «أنّ بلوغ هذه المرحلة أمرٌ طبيعي وقد شهدت الأحداث التاريخية محطات مماثلة وما على الجيش اللبناني سوى التزام ما تقول به الإتفاقات الدولية التي تحاكي احداثاً مماثلة بين دولتين مستقلّتين. فلكل منهما دوره على أرضه على جانبي الحدود ولا يقوم به. ولذلك من البديهي القول إنّ الجيش سيعلّق عملياته العسكرية في تلك اللحظة ولن يكون له أيّ هدف خارج أيّ شبر من الأراضي اللبنانية».

ويستطرد الخبير: «قد يلتقي الجيش ووحدات من مسلّحي «حزب الله» الذين اطاحوا بالحدود اللبنانية- السورية على مساحات شاسعة وعندها لن تتغيّر المعادلة، فعلى مسلّحي الحزب أن يتصرّفوا- بمعزل عن لبنانيتهم- كحلفاء للجيش السوري وقد يحلّون محلّ الجيش السوري في كل المهمات التي يقوم بها أيُّ جيش على أرضه.

وامام هذه المقارنة التي لم يكن منها بدّ، لتوضيح كثير من الصور السياسية والعسكرية المشوَّهة». ويختم الخبير العسكري: «ليس هناك على وجه الأرض أيّ جيش نظامي يقبل بالتعاون مع ميليشيا أيّاً كانت هويّتها ولو كانت من بلاده ونسيجه الشعبي والإجتماعي.

وإنّ اعتمادَ الدول على ميليشيات محلّية تحت عناوين شتى لا يغيّر من مهمات الجيوش النظامية. فالتاريخ يشهد أنّ مثل هذه الجيوش لم تخض أيّ حرب مشترَكة مع أيّ ميليشيا أخرى.

وعلى سبيل المثال لا الحصر- يضيف الخبير- فمَن تابع كثيراً من محطات الحرب السورية يؤكد أنّ أيّ جبهة لم تشهد عملية مشترَكة بين الجيش السوري النظامي وأيّ ميليشيا.

لا بل على العكس فقد سُجِّلت مواجهات بين الطرفين في اكثر من محور وخصوصاً في ريف حمص نتيجة الحساسية الطبيعية الموجودة لدى أيّ جيش نظامي في نظرته الى أيّ قوة ميليشياوية. فللقوّتين طريقة مختلفة في الميدان وفي هيكيلية الإمرة وفي تنفيذ العمليات العسكرية، فلكل منهما طريقته القتالية.

والدليل الساطع متوافر في عملية «إن عدتم عدنا» التي يخوضها الجيش السوري و«حزب الله» في الجانب السوري من الحدود، فلم ترصد الجهات العسكرية المختصة أيّ عملية مشترَكة بينهما. وهما يخوضان حربهما كل من جبهة ومن محور يختلف عن الآخر وإنّ التنسيق الذي يقدّمه الطيران الحربي السوري للقوّتين قد يكون هو العنصر المشترك الوحيد بينهما.

وبناء على ما تقدم يبدو للخبير العسكري ان الجهد الذي يبذل لحرف عملية «فجر الجرود» عن اهدافها سينتهي مفعوله قريبا بانتهاء العملية العسكرية في الساعات المقبلة مع الإشارة الى ان ما جرى اظهر ان ليس هناك اي خلاف سوري ـ لبناني حول الحدود الدولية بينهما، باعتراف الأمين العام لحزب الله الذي اكد ان الطرفين يعرفان حدودهما بدقة وهو ما أظهرته ايضا خرائط الجيش اللبناني التي استخدمت في شرح مجريات العملية العسكرية. فقد حددت التلال اللبنانية من السورية بكل ثقة من دون ان يناقشها أحد.

ولذلك لا يحتاج الأمر الى كثير من التنظير، فالجيشُ ماضٍ في عمليته التي كان يمكن أن تنتهي في «الويك أند» لولا بعض العوائق التقنية واللوجستية. ولولا اللغم الأرضي الذي انفجر بسيارة عسكرية وأدّى الى استشهاد ثلاثة عسكريين لكانت عملية نظيفة بكل المعايير الميدانية والعسكرية التي تستحق أن تُدرّس في المعاهد العسكرية.