اما وقد دقت ساعة المعركة، واطلق الجيش عملية «فجر الجرود»، فإن الوقت لم يعد، ولا الوضع، مناسباً للكلام المبُاح، وما رافقه من تحليلات ومزايدات وثرثرات، طوال الأيام التي سبقت إعلان النفير.

ليست مسألة امتحان، ولا عملية اختبار للقدرات، ولا هي المواجهة الأولى التي يخوضها الجيش لاقتلاع تنظيم إرهابي من جذوره.

وخلافاً للانطباع السائد، عند البعض في الداخل والخارج، فإن الجيش اللبناني قادر على التصدّي للخطر الارهابي، ولو باللحم الحي، عندما لا تتوافر الأسلحة والمعدات والتجهيزات اللازمة، وتجربة اقتلاع «نواة» داعش الأولى، التي حملت اسم «فتح الاسلام» زوراً وبهتاناً وتضليلاً، من نهر البارد، ما زالت ماثلة في أذهان الأجيال، التي تابعت بطولات الجنود الأبطال وتضحياتهم في خوض معركة، لم يتوفر لهم فيها أدنى متطلبات التسليح والتجهيز، ومع ذلك تمّ اقتلاع البذرة الارهابية الاولى قبل ان يكتمل نموها، وترص بنيانها.

طبعا الوضع في الجرود يختلف جذرياً: سواء بالنسبة للامكانيات العالية التي توفرت للجيش الوطني، من تسليح وتجهيز، واعداد وتدريب، أم بالنسبة لشراسة مسلحي «داعش» في القتال، والخبرات في أعمال القنص والتفخيخ والتفجير، فضلا عن الوقت الطويل الذي امضوه في تحصين مواقعهم بين الصخور وفي المغاور، وتعايشهم المديد مع جغرافية المنطقة، والتعامل مع تضاريسها الصعبة والوعرة،

ورغم كل ما يقال عن ظروف هذه «المعركة الصعبة»، يمكن القول أن الأيام الأولى، أثبتت أن ضباط وجنود جيشنا الباسل يخوضون المواجهة بجدارة مشهودة، ويتمتعون بكفاءة عالية، فضلاً عن تلك المعنويات العسكرية الرائعة، والتي انتقلت عدواها إلى اللبنانيين، كل اللبنانيين، الذين هبّوا للوقوف صفاً واحداً مع جيشهم الوطني، في تحرير أرض الوطن من مخاطر الإرهاب، وعبث الإرهابيين.

لقد أصبح واضحاً للجميع، في الداخل والخارج، أن الجيش هو القاسم الوطني المشترك الأوّل، إذا لم يكن الوحيد، الذي يوحد اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم واحزابهم ومناطقهم، ويجمعهم على موقف واحد، في الالتفاف حول المؤسسة الوطنية الكبرى، لتكون حصناً للوطن، وخط الدفاع الأوّل والوحيد عن السيادة والاستقرار.

ولأن ثقة اللبنانيين بالجيش وقيادته أكبر من أن توصف بكلمات بسيطة، فالأمر أولاً وأخيراً هو للجيش، وكل كلام عن فترة المعركة، وتفاصيلها اليومية، هو من الترف الذي لا معنى له، بل قد يصبح ضرره بالغاً، إذا تساهلنا مع حملات التشكيك والتضليل، التي تحاول المقارنة بين معركة جرود عرسال، ومعركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع، حيث ان لكل معركة معطياتها وظروفها ومعاييرها، والتي لا تطابق بينهما.

ولأن المواجهة هي بهذا الحجم من الصعوبة والشراسة، فمن الطبيعي وقوع بعض الإصابات في صفوف جيشنا الباسل، الذي يروي ضباطه وجنوده الأرض بدمائهم، دون ان ينال ذلك من عزم ومعنويات رفاقهم الذين يتابعون المسيرة بإصرار وعزم اكيدين، تحقيقاً للنصر المبين.

تضحيات جيشنا الوطني تفرض على الطبقة السياسية التخلي عن صراعات الديوك، ومعارك الانانيات والمغانم، والتحلي ولو بقدر بسيط من الشعور بالمسؤولية، والتضحية من أجل الوطن، للخروج بالبلاد والعباد من هذا النفق المظلم، وما يتهدد الجميع من تحديات وانهيارات!