سريعاً ينهار إرهابيو «داعش» أمام تقدّم قوات الجيش اللبناني والسوري وحزب الله في معركة واحدة متزامنة من الجهتين اللبنانية والسورية. ومما لا شكّ فيه أن فتح الجيش السوري وحزب الله معركة مكمّلة لمعركة الجيش، منع «داعش» من الدفاع عن مواقعه وسرّع انهياره، وسط تقدّم سريع بلغ حتى أمس 80 كلم مربّعاً من الأرض اللبنانية وأكثر منها على الجانب السوري

 

لم تكد تمرّ 48 ساعة على العملية العسكرية «المتزامنة» التي ينفذها الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله ضدّ تنظيم «داعش»، حتى استطاعت القوات المهاجمة تحقيق تقدّم كبير على مختلف محاور الهجوم من الجهتين اللبنانية والسورية، في مقابل انهيار كبير يسود صفوف مقاتلي التنظيم الإرهابي.

وما لا شكّ فيه، أن الهجوم من عدّة محاور، سواء من داخل الأراضي السورية أو من اللبنانية وبشكل متزامن، والنتيجة الحتمية لهذه المعركة الخاسرة، كان العامل الأوّل في تسريع انهيار الإرهابيين وإفقادهم عنصر الدفاع الفعّال، وخصوصاً مع سقوط صورة القتال الشرس التي اشتهر بها «داعش» في السنوات الأخيرة. وبحسب معنيين بسير المعارك على جانبي الحدود، يظهر إرهابيو التنظيم في أضعف صورهم، سواء لجهة تخلّيهم عن مواقعهم بسرعة، وفرارهم أمام تقدّم قوات الجيش السوري والمقاومة والجيش اللبناني، وغياب التنسيق في ما بينهم وظهور خلافات داخلية حول الخيارات المتاحة، فضلاً عن استسلام مجموعات منهم، ولا سيّما تلك التي استسلمت لمقاتلي المقاومة داخل الأراضي السورية، بعد ساعات قليلة من بدء المعارك.

 


وفي ظلّ هذا الإنجاز العسكري، الذي لم يكن ليحصل بهذه السرعة وبهذه الكلفة «المقبولة نسبيّاً» من الخسائر البشرية، سواء في صفوف الجيش اللبناني أو في صفوف القوات السورية والمقاومة، لولا تنسيق الحدّ الأدنى والعمل المتزامن والمتكامل على جانبي الحدود، تستمر فئة من السياسيين اللبنانيين بمحاولات تسخير إنجاز الجيش اللبناني العسكري، لمصلحة نظريّة أفضلية سلاح على سلاح، ومن ثمّ التأسيس لاحقاً للقول بعدم جدوى سلاح المقاومة بعد إظهار الجيش اللبناني قدرته في الميدان. وقد ساهم تبادل المعلومات، أمس، في تجنيب الجيش اللبناني وقوع مجموعة منه في شرك عملية انتحارية تستهدف جنوده، وجرى إحباطها وتمكن الجيش من تدمير سيارة ودرّاجة نارية مفخختين، على متنهما انتحاريون، على طريق وادي حورتة ومراح الدوار في جرود رأس بعلبك. إلا أن «المحرّضين» يستمرون في الضغط السياسي والإعلامي لإحراج الجيش، ودفعه إلى القول إنه لا يوجد تنسيق فعلي على الجبهات، مع أن مبدأ التنسيق، في حدّه الأدنى على الأقل، لا يحتاج إلى المعلومات، بل إلى قراءة ولو بعيدة لمجريات المعركة، منذ انطلاقتها بزمن واحد، وحتى اقتسام المحاور والقضم المتوازي للتلال والمرتفعات.
وفي تفاصيل التقدّم الميداني، حفلت الساعات الـ 48 الأخيرة بتقدّم كبير للقوات المهاجمة في عمليتي «إن عدتم عدنا» من الجانب السوري و«فجر الجرود» من الجانب اللبناني.
من الجهة اللبنانية، تقدّمت وحدات الجيش اللبناني على محاور «سهلات خربة داود» و«ضهور وادي التينة»، وتمكّنت من السيطرة على مناطق: مرتفع ضليل أم الجماعة (1605)، ضهور وادي التينة (1551)، قراني مقيال فرح (1575)، جبل وادي الخشن، قرنة حقاب الحمام، قراني العقاب (1563)، ما يمكّن القوات من السيطرة بالنار على أقسام واسعة من المناطق المحاذية للحدود اللبنانية السورية. وبلغت المساحة التي حررها الجيش أمس، حوالى 30 كلم مربعاً، وبالتالي بلغت مساحة السيطرة منذ بدء العمليات حتى ليل أمس، حوالى 80 كلم مربعاً من أصل 120 كلم مربّعاً يحتلها «داعش» من الأراضي اللبنانية. واستشهد أمس ثلاثة عسكريين، وأصيب رابع بجروح بليغة نتيجة انفجار لغم أرضي بآلية عسكرية، فيما أصيب عسكريان اثنان بجروح غير خطرة أثناء الاشتباكات. وتمكّن الجيش من قتل 15 إرهابياً وتدمير 12 مركزاً تابعاً للتنظيم. ويوم السبت، تمكّن الجيش من السيطرة على مناطق «مراح المخيرمة»، «شعاب المخيرمة»، «المرتفع 1564»، «ضهرات حقاب العش»، «سهلات قلد الثعلب»، «وادي خربة الشميس»، «وادي الخشن»، «ضهور المبيّض»، «ضهور وادي التينة»، «جبل المخيرمة»، «شعبات الدرب»، «قلعة الجلادة»، «قرنة الجلادة»، متمكّناً من قتل نحو 20 إرهابياً، فيما أصيب عشرة عسكريين بجروح مختلفة، إصابة أحدهم حرجة. ويستخدم الجيش أسلحة المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، فضلاً عن استخدام طائرات الـ«سيسنا» والطوافات المقاتلة والطائرات المسيّرة في استهداف المواقع التي تصعب إصابتها بأسلحة الميدان.

 


أمّا من المحور الجنوبي على الجانب السوري، فقد سيطرت القوات السورية والمقاومة على «قرنة شعبة القاضي» و«قرنة مد محبس» و«قرنة تم الزمراني» و«واطيات الزمراني» و«خربة قر علي». وفي المحور الشرقي، بسط المهاجمون سيطرتهم على «دوّار الشقيع»، و«سن ميري الجنوبي» و«جبل سن فيخا» و«مرتفع حرف الموصل»، و«معبر فيخا»، ما منح القوات الإشراف الناري الكامل على «معبر ميرا». وكذلك في المحور الشمالي، حرّرت القوات المهاجمة «شعبة بيت سليم» و«حرف الجفر» و«شعبة الزويتينة الغربية» و«مرتفع شعبة الصهريج»، و«مرتفع شعبة شنشارة». و«قرنة الزويتينة»، المرتفع الذي يُعتبر من أبرز مواقع التنظيم في المنطقة، لإشرافه الناري وتحصيناته المُحكَمة. وترافق التقدّم البرّي مع عشرات الغارات الجويّة العنيفة من قبل سلاح الجو السوري على معظم محاور العمليات ومواقع إرهابيي «داعش» عند معبري مرطبية والروميات في جرود القلمون الغربي. كذلك تمّت السيطرة على ثلاثة معابر، هي: الزمراني، أبو حديج ومعبر ضهر علي. وفي اليوم الأول كذلك، تمت السيطرة على مساحات كبيرة من المحاور الثلاثة، أهمها جبل الموصل الاستراتيجي في جرود البريج، إضافةً إلى ضهر شعاب الحصن، ومنطقة السماقيات والعرقوب، وخربة اسطنبول، وحقاب الرواشنة، وسهلات درويش، وسهلة سيسيان. وبات معبر فيخا بحكم الساقط عسكرياً، بعد السيطرة على موقع الموصل. وفي المحور الجنوبي، استعادت المقاومة والقوات السورية «قرنة الشلوف»، «شعبة المحبس»، «شعبة المغارة»، «حرف وادي الدب» و«شعبة يونس».
ويمكن القول إن التقدّم الذي حصل أمس في «شعبة الزويتينة» و«الزويتينة الغربية»، لا بدّ من أن يوازيه تقدم مماثل للجيش اللبناني إلى منطقة «عقاب الكيف» و«الكهف»، على غرار التقدّم المتوازي الذي حصل في «الحشيشات» من الجهة السورية و«ضهور الخنزير» من الجهة اللبنانية في بداية المعركة. وتشير مصادر معنية لـ«الأخبار» إلى وجود مغاور كبيرة يستخدمها عناصر التنظيم للاختباء والحماية في «عقاب الكيف» و«الكهف».
وفيما تستمر المعارك، ومن المتوقّع اليوم أن يستمر تقدّم القوات المتنوّعة على كل المحاور، تزداد حالات الانهيار وسط صفوف الإرهابيين. ويشير وجود ضباط من الأمن العام اللبناني إلى جهدٍ ما يقوم به هؤلاء لتفكيك التنظيم وتسريع انهياره وإقناع مجموعات أخرى بالاستسلام للجيش اللبناني أو السوري أو المقاومة، على غرار المجموعة التي استسلمت للمقاومة، وعلى رأسها المدعو أحمد وحيد العبد، الذي كان يعمل «شرعيّاً» على معبر الزمراني وحوالى خمسين إرهابيّاً مع عائلاتهم. ويستمر العمل مع مجموعات أخرى، بغية الوصول إلى معلومات حول العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى التنظيم، ومحاولة إقناع هؤلاء بتسليم أنفسهم حقناً للدماء.
كذلك تمكّنت المقاومة أمس من تفكيك 28 «تشريكة»، هي عبارة عن مجموعة من العبوات والألغام يستخدمها «داعش» كخطّ دفاعي أوّل في بعض البقع. إلّا أن الخبرة التي اكتسبتها مجموعات الهندسة في المقاومة، باتت تمكّنها من التعامل بسهولة مع هذا النوع من الفخاخ، وخصوصاً أن عمل التنظيم في التفخيخ مشابه في مختلف أماكن عمله.