يبادر السيد مقتدي الصدر إلى التعامل بإيجابية مع الدعوات العربية إليه، ومن خلال انفتاحه على الفضاء العربي فإنه يكرس هويته العربية ووطنيته العراقية خارج الإصطفافات الطائفية التي تشهدها المنطقة
 

ليس هناك ما يمنع أو من المعيب على الشيعي أن يفتخر بهويته العربية وانتمائه للعروبة فالدستور الشيعي هو القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى بلغة الضاد إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا والشيعي العربي ليس بحاجة إلى فحص دم للتثبت من ولائه لأهل البيت عليهم السلام وبالتالي لا يحتاج إلى شهادة حسن سلوك من القيادات الإيرانية لتأكيد انتمائه إلى بيت النبوة لكن من المعيب أن ينزلق الشيعي نحو مهاوي الخلافات المذهبية وان يقتات بغذاء الشحن المذهبي البغيض، وأن يبقى معبئًا بأحقاد دفينة وموروثات الكراهية والعداء ومسكونًا بهواجس الخوف والرعب من انقلاب المسلم السني على الواقع الشيعي والوقوع في وحول الفتن المذهبية والغرق في ويلات الحروب الكارثية. 
وليس بعيدًا عن هذا المعطى الواقعي تأتي جولات السيد مقتدى الصدر وهو رجل الدين العراقي القوي والزعيم السياسي وصاحب القاعدة الشعبية الواسعة في العراق بإتجاه الدول الخليجية. 

إقرأ أيضًا: قطر في المصيدة الإيرانية
فبعد حوالي الأسبوعين من زيارته إلى المملكة العربية السعودية ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة قام بزيارة دولة الإمارات العربية منذ أيام قليلة واجتمع بولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. 
وفي أبو ظبي التقى السيد الصدر الشيعي المتحدر من أسرة عريقة في العلوم الدينية والفقه والاجتهاد والتضحية والوفاء لخط أهل البيت مع الشيخ العراقي السني الدكتور أحمد الكبيسي وقالا سويًا إنهما يسعيان لصالح العراق العام وتلاحم الشيعة مع السنة في بوتقة الإسلام. 
ونقلًا عن وكالة الأنباء الإماراتية فإن مما قاله الشيخ محمد بن زايد للسيد مقتدى الصدر التجربة علمتنا أن ندعو دائمًا إلى ما يجمعنا عربًا ومسلمين وأن ننبذ دعاة التفرقة والإنقسام . 
وزيارة السيد الصدر إلى السعودية ومن بعدها إلى الإمارات جاءت تلبية لدعوات وجهت إليه من كل من الرياض وأبوظبي، وفي ذلك تقارب واضح من العاصمتين للواقع الشيعي في العراق وعلى مساحة المشرق العربي. 

إقرأ أيضًا: الدولة هي الخاسر في معركة الجرود
وقد أدركت الدول العربية الفاعلة في المنطقة وعلى رأسها السعودية أن غيابهم عن الساحات العربية وخصوصًا في لبنان وسوريا والعراق أنتج فراغًا كبيرًا استغلته إيران وعملت على الإستفادة منه وخرقته من خلال إنشاء ميليشيات وتنظيمات وأحزاب مسلحة باللون المذهبي الشيعي تابعة لها وخاضعة لسياساتها بحيث تحولت إلى تفاصيل في المشروع الإيراني لتنفيذ استراتيجياتها الكبرى القائمة على التمدد والتوسع خارج حدودها، وانتقلت بذلك المكونات الشيعية في الدول العربية من فضاء التعددية الدينية والمذهبية والفكرية والاتينية إلى رؤوس حربة للاندفاع الإيراني تلوح بها طهران بالتهديد والوعيد حينا وتستخدمها حينا آخر بوجه دول الجوار بحيث تحولت العواصم العربية إلى ملاعب إقليمية عوضًا عن تكون قوى إقليمية فاعلة في توجهات وسياسات منطقة الشرق الأوسط مع الإشارة إلى دخول العامل الإسرائيلي والتركي والدولي على خط الأزمات العربية. 

إقرأ أيضًا: سعي سعودي لعودة العراق للحضن العربي
ولئن رأت الدولة السعودية ومعها الإمارات بالملموس أن التوسع الإيراني اخترق العمق الإستراتيجي العربي بعد غياب الزعامات العربية المؤثرة في الوجدان والسلوك، جاءت خطوتها ولو متأخرة كثيرًا لطرق أبواب البيت الشيعي من خلال دعوة السيد مقتدى الصدر لزيارة عاصمتيهما لكن أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أبدًا. 
وبدوره فإن السيد الصدر الذي يبادر ويتلقف الدعوات العربية ومن خلال انفتاحه على الفضاء العربي فإنه يكرس هويته العربية ووطنيته العراقية ويبتعد عن المشروع الإيراني وفي ذلك خروج عن المعطى المذهبي الضيق الذي سعت إيران للتأسيس عليه إلى رحاب الإسلام الذي يتسع لكافة مكوناته على تنوعها وكثرتها ويخاطب المسلمين على إختلاف تلاوينهم بلغة عربية مفهومة وواضحة. 
إلا أن ذلك ليس بالأمر السهل والمتيسر فدونه محاذير خطيرة قد تأتي من الجهات المتضررة من وحدة العرب واتفاقهم والتفافهم حول قوميتهم وهويتهم.