أيّاً كانت النتائج التي ستقود اليها طاولة الحوار التي عُقدت في بعبدا حول مصير قانونَي سلسلة الرتب والرواتب والضرائب، فإنّ هناك مَن يخشى على شكل العلاقة «المهزوزة» بين أهل السلطة. فرئيس الجمهورية يخوض المواجهة في موقفه من هذين القانونين مع رئيسَي مجلس النواب والحكومة والأكثرية النيابية ضمناً. ولذلك هناك مَن يخشى انتصاراً للمعارضة في حال ردّ رئيس الجمهورية أيّاً من القانونَين.. فكيف ولماذا؟!
 

ليس خافياً على أحد أنّ طاولة الحوار الوزارية - النقابية ـ القطاعية التي استضافتها أمس قاعة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري قد عُقدت على وقع تجاذبات كبيرة بين أهل السلطة. فاعتذار رئيس مجلس النواب نبيه بري عن المشاركة في اللقاء لم يكن لسببٍ يعوق المشاركة بمقدار اعتراضه على مقاربة رئيس الجمهورية لقانونَي الضرائب و«السلسلة» وصولاً الى اعتباره افتئاتاً على دور مجلس النواب في التوصّل اليهما، وفي ظلِّ صمتٍ عميق لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي لم يسجّل أيّ موقف علني من توجّه رئيس الجمهورية واكتفائه بالتسريب عبر قنواته الإعلامية بأنه يؤيّد القانونين كما أُقِرّا في مجلس النواب بلا أيّ ضجيج.

لم يكن صعباً الوقوف على هذه الحقائق المتصلة بمواقف أهل السلطة، فإلى صمت الحريري الثابت من دون أيّ نقاش، جهد بري منذ فترة، وتحديداً قبل وبعد إحالة القانونين الى رئيس الجمهورية في 24 تموز الماضي حاملين تواقيع كلّ مِن رئيسَي المجلس والحكومة ووزير المال، في توجيه الرسائل الى بعبدا تارةً باستبعاده أن يردّ رئيس الجمهورية أيّاً من القانونين لأنهما «من إنجازات العهد» الى أن بلغت الأمور أمس الأول بمعاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل أن يناشد رئيس الجمهورية توقيعهما ونشرهما مستبقاً النتائج المترتّبة على لقاء بعبدا و«كأنه لم يكن قبل أن يعقد» دون أيّ حرج في محاولة للتأثير المتمادي في قرار رئيس الجمهورية حول مصيرهما.

والى هذه المعطيات، ثمّة مَن يعرف حقّ المعرفة أنّ رئيس الجمهورية وقبل أن تتوالى مواقف بعض القيادات الروحية والسياسية والحزبية والتربوية كان سيوقّع قانون السلسلة بعد تعهّد المعنيّين بإعادة النظر في بعض البنود المتصلة بمطالب الضباط المتقاعدين والقضاة تحديداً، وردّ قانون الضرائب معلّلاً بملاحظات محصورة ببعض التعديلات لصرف النظر عن بعض الضرائب المباشرة وغير المباشرة بعد وصفها بغير «العادلة» والتي لا تعفي في تردداتها اصحاب الدخل المحدود والحسابات المصرفية الصغيرة التي لا تُعَد أكثر من «مؤونة متواضعة» بالنسبة الى بعض صغار المدّخرين اللبنانيين.

أما وقد رغب رئيس الجمهورية في التجاوب مع بعض المواقف و«الصرخات» التي أطلقتها فئات لبنانية فقيرة وأُخرى مظلومة، فوجّه الدعوة الى هذا اللقاء ـ المخرَج لإمرار المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة والمواءمة بمقدار الإمكان بين مصلحة الخزينة العامة وحماية القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وحقوق الموظفين والعسكريين الذين تجاوزوا الـ 283 الفاً في المؤسسات المدنية والأجهزة العسكرية والأمنية فلا تأتي السلسة بمزيد من الصعوبات المالية بدلاً من أن تكون محاولة جدّية لإحياء الطبقة المتوسطة التي اقتربت من الاندثار بفعل ازدياد نسبة اللبنانيين القريبين من خط الفقر أو ما دونه.

وفي مقابل هذه النظرة الرئاسية، فقد سبق لمجلس النواب أن تجاوز رغبة رئيس الجمهورية في معالجة موضوع السلسلة والضرائب في مرحلة تلي البتّ بالموازنة العامة للعام 2017 لتكون طبيعية في شكلها ومضمونها المالي ولتكون مواردها الإضافية المقدّرة للسنوات المقبلة أكثرَ دقّة بعدما تجاوزت بعض التوقعات الآفاق المنطقية المتوقّعة نتيجة الرهان الخاطئ على مردود بعض الإجراءات الضريبية، في ظلّ إستمرار الفساد في الدوائر المالية التي تشجّع على التهرب الضريبي وأعمال التهريب، وعجز مثيلاتها الرقابية عن القيام بأدوارها الناظمة والضابطة للخروق التي مسّت الأسعار في مناسبات عدة منذ خمس سنوات ونيف وفي توقيت تزامن ومجرّد الحديث عن السلسلة قبل أن يدخل مردودُها جيوبَ الموعودين بها.

وعلى هذه الخلفيات، ثمّة مَن يعتبر أنّ رئيس الجمهورية في نظرته الجديدة قد تجاوز الجهود التي بُذلت في الحكومة ومجلس النواب وسيعبّر في حال ردّ أيٍّ من القانونين عن إدانته لما أنجزته السلطتان التشريعية والتنفيذية والتشكيك في تقديراتهما المالية للموارد المقدّرة لتمويل السلسلة ومجموعة المشاريع الإستثمارية التي كادت أن تغيب في مشروع قانون الموازنة الجديدة التي طال انتظارُها منذ 12 عاماً الى الآن.

عدا عن إدانته مجمل مواقف الكتل النيابية بما فيها كتلة «الإصلاح والتغيير» التي قاد أقطابها معظم الجهود توصّلاً الى إنتاج هذين القانونين والى جانبهم نواب «القوات اللبنانية» و«المستقبل» و«التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» رغم تمايز هذه الأخيرة عند إعلان موافقتها على القانونين بالصيغة النهائية تماشياً منها وتضامناً مع مواقف الأكثرية النيابية على رغم إقتناعها بعدم صوابية ما تمّ التوصّل اليه.

وعلى رغم ما أعطاه اللقاء الإستثنائي من انطباعات إيجابية لدى أكثرية المدعوّين اليه، وأيّاً تكن النتائج التي سيفضي اليها، فقد بات واضحاً لدى الجهات التي عبّرت عن عدم رضاها عن توجّه رئيس الجمهورية والتي لن تغيّر رأيها على ما يبدو قبل اللقاء وبعده فهي ترى أنه قدّم «هديّة» ثمينة ومجانية للمعارضة التي شنّت «حربها الذكية» على سلّة الضرائب المقترَحة تزامناً مع دفاعها عن الحق في السلسلة.

في وقت ردّت الجهات التي دافعت عن خطوة رئيس الجمهورية على هذا المنطق بسؤال وجيه: لماذا قبلتم باللقاء التشاوري لأهل السلطة من الأكثرية النيابية والحكومية لتسويق برامجكم وتعارضون اليوم خطوةً من هذا النوع مع الوعد بأنّ ما شهده قصر بعبدا أمس سيعبّر عن نهج رئيس الجمهورية في التعاطي ومقاربته لكل الملفات الشائكة وعلى الجميع أن يعتادوا عليه. اليس هو «بي الكل»؟!