يبالغ حازم صاغية. دوماً يبالغ. تلك المبالغة الكاريكاتورية التي ترمي إلى تكبير المخاوف، كي يراها الآخرون من عينيه الثاقبتين. يرسم صورة عملاقة لفكرة عادية أحياناً. وهذه من عبقرية كتابية لا يخلف اثنان أنّه يحملها.
 
هذا ليس "زمن حزب الله" كما كتب حازم صاغية اليوم، زاعماً أنّ الحزب بات يحظى بـ"تأييد شعبي عابر للطوائف" ومستنداً إلى تحليله بأنّ "الأكثرية الشعبية التي أيّدت من يقتلهم السلاح في 14 آذار تنحاز اليوم إلى من يقتلون غيرهم في لبنان وسوريا".
 
هذا ليس "زمن حزب الله" يا حازم.
 
هذا تضليل واستسهال، إن لم نقل، احتراماً لحازم وتاريخه، إنّه "كذب وافتراء".
 
من أين جاء حازم صاغية بإحصائه هذا؟ من أيّ انتخابات؟ من أيّ استطلاع رأي؟ من أيّ لوائح شطب أو تظاهرات تأييد جامعة أو اعتصامات تضامن مهيبة أو مسيرات شموع عارمة في الشوارع؟ من أين؟
 
يقول حازم إنّ من بين أسباب عيشنا في "زمن حزب الله" هو "حسن نصر الله، الوجه السياسي الوحيد غير التافه في صحراء السياسة اللبنانية". وهذه جملة أحسب أنّ حازم ليس مقتنعاً بها.
 
حازم صاغية، والحال هذه، ليس سوى واحد من ضحايا "الإعلام الحربي"، الذي توسّع ليأخذ في دربه قنوات "الجديد" وLBCI وmtv، والذي تغلغل في كلّ المواقع الإلكترونية، وبات له أذرع إعلامية في كل مفاصل وسائل التواصل الاجتماعي، وبات قادراً على تشكيل رأي عام، وتزوير صورته أيضاً، من خلال تصوير وجود "إجماع" حيث لا إجماع.
 
تعالوا لنحسب "الإجماع". القوات علناً، على لسان سمير جعجع، في الأيام الفائتة، أعلنت موقفاً شديد الوضوح من سلاح حزب الله وطالبت بنشر اليونيفيل في البقاع والشمال بتوسيع القرار 1701.
 
الكتائب موقفها محسوم ضدّ سلاح حزب الله. نهاد المشنوق رفض حتّى "ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة". جمهور تيار المستقبل على وسائل التواصل الاجتماعي رفض "تنازلات" الحريري في قضية عرسال. جمهور الدروز بعيد عن الساحة لأنّ وليد جنبلاط قرّر أخذ مسافة. لكنّ جمهور جنبلاط، وليداً وكمالاً، معروف التوجّه.
 
يبقى الشيعة. في الانتخابات البلدية الأخيرة كان واضحاً أنَ أكثر من ثلث الشيعة صوّتوا ضدّ حزب الله. في 2009 كانت نسبة المشاركة في الانتخابات أقلّ من 42 % في الجنوب. 58 % من الشيعة هم "أكثرية صامتة". قوّتهم أنّهم ليسوا في موقع "أهل الذمّة". ولا أقلية خائفة مثل الدروز، ولا أكثرية مضطرّة للتسوية من أجل السلطة مثل السنّة.
 
أين الإجماع يا حازم صاغية؟
 
هناك "شبهة إجماع" نشرها الإعلام الذي يسيطر حزب الله عليه من ألفه إلى يائه، والسبب هو تخاذل الدول الداعمة لمعسكر السيادة والاستقلال عن تمويل الإعلام، وتجويع الصحافيين، وتركهم إما محبطين ويائسين، أو رميهم في أحضان رواتب حزب الله وإيران، لتعليم أولادهم وإطعامهم.
هذا ليس زمن حزب الله. هذا زمن التخاذل العربي وسوء الرؤية المحلية. وبتخطيط بسيط يمكن استعادة التوازن في المشهد.
 
كان "الزمن السوري" يبدو "إلى الأبد يا حافظ الأسد"، حتى نزل اللبنانيون إلى الشوارع في 14 شباط و14 آذار و28 آذار وأسقطوا حكومة وفكّكوا نظاماً أمنياً...
 
ليس زمن حزب الله يا حازم. ربما أنتَ كبرتَ وأفلستَ من هرمونات الأمل والعزيمة. تنحّى جانباً، واترك الساحة لمن يريدون التغيير.
 
هذا ليس زمن حزب الله.