الأكيد أنه وبين معادلتين مختلفتين، سيكون لبنان أمام استحقاقات مواجهة حالات عزل بنسب مختلفة عربية ودولية.
 

المعادلة الأولى تتحدّث عن تخلٍ عربي، وخليجي تحديداً، عن محاولة تفهّم الوضع اللبناني الذي يميل أكثر فأكثر الى أن يخضع لنفوذ «حزب الله»، والثانية تميل الى التأكيد أنّ التفويض العربي والسعودي تحديداً للرئيس سعد الحريري ما زال قائماً، لإدارة العلاقة مع «حزب الله» بما لا يفجّر الوضع الداخلي اللبناني، وبما يؤمّن الاستقرار.

الأرجح أنّ الأشهرَ المقبلة ستشهد مزيداً من الضغوط العربية والدولية، خصوصاً بعد أن يوضع قانون العقوبات الأميركي على «حزب الله» موضعَ التنفيذ.

وتشير المعلومات الى أنّ زيارة الحريري لواشنطن لم تغيّر في ما هو مكتوب حرفاً واحداً، حيث فهم الوفد اللبناني أنّ التشدّدَ الأميركي تجاه «حزب الله» بات سياسة دائمة ومتصاعدة وغير مرتبطة حصراً بمسار بدأته إدارة الرئيس دونالد ترامب.

ولم يكن ما رشح عن حركة السفيرة الاميركية في بيروت، حيث زارت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزيرَي الخارجية جبران باسيل والداخلية نهاد المشنوق، سوى مؤشر الى هذا التشدّد، حيث طالبت بالفصل بين حركة الجيش اللبناني و»حزب الله» وبتبنّي سياسة رسمية تكون ترجمة لهذا الفصل، تحت طائلة وقف المساعدات العسكرية للبنان.

وعلى أثر ذلك زار باسيل البقاع وأعلن مواقف يُراد منها ايصال رسالة بأنّ معركة القاع ستكون معركة الجيش، وعلى أثر ذلك ايضاً دعا عون المجلس الأعلى للدفاع الى الاجتماع لإسباغ غطاء رسمي على معركة الجيش، وذلك تفادياً للدخول في المحظور.

يتحرّك «حزب الله» استباقياً، لمواجهة العقوبات والعزل العربي، وهذا التحرّك يتمثل بمزيد من الامساك بالاوراق القادرة، على حماية الحزب لنفسه، عبر ربط الاستقرار به. فالحزب أراد من معركة عرسال، تقديم نفسه شريكاً للعالم في مواجهة الارهاب، كذلك وجّه رسالة واضحة مفادها أنّ لبنان الرسمي أصبح بين يديه، وأنّ أيَّ محاولة للتضييق عليه من باب العقوبات، ستصيب لبنان باقتصاده، وربما أمنه.

ويستعد الحزب لفتح فصل جديد يتمثّل في الاتجاه الى التطبيع الكامل مع النظام السوري، وما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري من طهران، يعطي المؤشر الاول الى ذلك على أن تليه خطوات اخرى، كزيارة الوزراء، أو زيارة عون التي ليس من المستبعد أن تحصل، بعد وقت ليس بقصير.

هذا التوجّه الى التطبيع مع النظام السوري هو في أحد ابعاده نتيجة لبداية بلورة صورة الحلّ الروسي في سوريا، التي تقوم على إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، وإجراء انتخابات رئاسية بضمان دولي، أي الالتفاف على مبادئ مؤتمر جنيف، ويدفع الروسي بعضاً من أثمان هذا الحلّ بتقليص النفوذ الإيراني جزئياً، وتقديم هدايا ضمان الحدود لإسرائيل، وقد طلبت روسيا من المملكة العربية السعودية، أن تقبل ببقاء الأسد لمدة سنتين، على أن يتفق جميع اللاعبين على انطلاق مرحلة انتقالية، إلّا أنّ الردّ السعودي كان الرفض، ذلك على رغم من البلبلة التي نتجت عن تسريب كلام لوزير الخارجية السعودية عادل الجبير، بأنّ الأسد باقٍ في السلطة.

على إيقاع ما يجري في سوريا والمنطقة، يعيش لبنان بين نارَي «حزب الله» الذي بات يمسك بمعظم مفاصل السلطة الفعلية، وبين نار ما ينتظره من عقوبات وإجراءات، ستصيب اقتصاده ومكانته كدولة مستقرّة، ولن يمكن منذ الآن تحديد مسار التطورات، لكنّ الحكومة، ستجد نفسها في وضع صعب، بين خيار الاستمرار في تغطية الحزب، وخيار انتقال الأزمة الى داخلها، علماً أنّ وزيراً سيادياً اشتهر بقراءاته السياسية الرزينة، لم يستبعد وصول الحكومة الى مرحلة «رفع العشرة»، أي الاستقالة.