بكل فخر وإعتزاز يخرج حزب الله بكله وكلكله من أمينه العام السيد حسن نصرالله مرورا بمجالسه القيادية وكافة كوادره التنظيمية إلى كل عنصر من عناصره ويتباهى أمام الملأ بإنتصاره المدوي في معركته الأخيرة التي خاضها في جرود فليطا وعرسال في المنطقة الحدودية المشتركة بين لبنان وسوريا على سلسلة جبال لبنان الشرقية ضد جبهة النصرة الإرهابية، وانتهت بتحرير جرود واودية وهضاب هذه المنطقة الجبلية من الإرهابيين، وترحيل ما يقارب التسعة آلاف سوري ما بين مسلح ومدني وطفل وامرأة من مخيمات عرسال اللبناتية باتجاه منطقة إدلب في الداخل السوري. 

إقرأ أيضًا: معركة الجرد جزء من الأجندة الإيرانية
ويحق لحزب الله الإدعاء بأنه قدم خدمة كبيرة للبنانيين على إختلاف فئاتهم وتلاوينهم الطائفية والمذهبية وانتماءاتهم السياسية والحزبية. 
وتبدأ مفاعيل هذه الخدمة من بلدة عرسال وأهلها الذين أصبح بمقدورهم العودة إلى أملاكهم وأرزاقهم في الجرد التي كانت مصادرة من قبل إرهابيي النصرة واحرار الشام وغيرهم، وخصوصًا البساتين بحيث أصبح بإمكانهم الإستفادة من المواسم والمحاصيل الزراعية، ومن إنتاج المقالع والكسارات التي حرموا منها لثلاث سنوات منذ أن وطأت أقدام الإرهاب هذه المنطقة. 
وفي الجانب الأمني فقد استعادت بلدة عرسال هدوءها وإستقرارها بعدما عاث هؤلاء الإرهابيون فسادًا وهيمنة وتعديات على الأهالي، فضلًا عن العامل الإقتصادي وتداعياته لجهة مزاحمة النازحين السوريين للسكان في أعمالهم وأشغالهم وصناعاتهم غير تقاسمهم لهم للخدمات الحياتية اليومية وفي كافة المجالات. 

إقرأ أيضًا: انتصارات ترفرف في سماء العرب
والخدمة الكبرى التي قدمها حزب الله للبلد بإستئصال هذه الجماعات الإرهابية تتجلى بقطع دابر أعمال التفجير والسيارات المفخخة عن كافة المناطق اللبنانية إن لم يكن كليًا ولكن بنسبة كبيرة ترقى إلى مستوى بث الأمان والراحة في النفوس التي كانت تعيش حالة من الهلع والخوف والقلق. 
على أن الجانب الأهم في هذه المعركة أنها مهدت لمفاوضات بين الطرفين أفضت إلى تحرير ثمانية أسرى لحزب الله كانت جبهة النصرة قد اسرتهم في أوقات سابقة وعدد من جثامين الشهداء مقابل إخراج مسلحي الجبهة وعائلاتهم إلى مناطق آمنة في سوريا. 
ومن الطبيعي أن يفتخر حزب الله بإنتصار تحقق من خلاله تحرير أسراه ودرأ خطر إرهاب جبهة النصرة عن البلد على الأقل في بيئته الحاضنة وبالمقابل فإن جبهة النصرة أعلنت عن إنتصارها بإنتزاع معظم الشروط التي وضعتها خلال عملية التفاوض وبإخراج مسلحيها سالمين إلى مناطق آمنة. 

إقرأ أيضًا: سعي سعودي لعودة العراق للحضن العربي
أما الدولة اللبنانية فهي الضلع القاصر في هذا المثلث المتنافر الأضلاع وهي الطرف المستضعف والعاجز عن الإدعاء بأي نصر إلا بالقدر الذي يسمح لها حزب الله بالرغم من مشاركتها الفعالة أمنيًا وعسكريًا وحتى في المفاوضات فإن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم تولى هذه العملية الشاقة وتمكن من إيصالها إلى بر الأمان ونتائج باهرة النجاح، وكان سبق المعركة قيام وحدات من الجيش اللبناني وفرع المخابرات بعملية مداهمات واسعة لمخيمات النازحين السوريين في خراج عرسال وتم إلقاء القبض على العشرات من عناصر جبهة النصرة المتورطين بأعمال تفجير وإرهاب وخلال المعارك فإن الجيش فرض طوقا ناريا على مسلحي الجبهة بحيث منع عليهم الدخول والخروج إلى مناطق أخرى. 
ومع ذلك فإن مكونات الدولة كانت مربكة جدا في التعامل مع هذا الحدث الذي حصل على جزء من الأراضي اللبنانية لدرجة تغييبه عن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بالتزامن مع الصفقة التي أنجزت بين حزب الله وجبهة النصرة، وبروز التناقض الفاضح في مواقف شركاء الوطن إزاء معركة الجرود بين مؤيد ومعارض ومتحفظ والمبني على الإختلافات العميقة حول الخيارات الكبرى في البلد والتي ترتبط بمستقبل لبنان وشعبه الأمر الذي يضع الدولة في خانة الضعف وقلة الحيلة أمام هيمنة حزب الله وتمدده وسيطرته على كافة تفاصيل الحياة العامة المشتركة في البلد.