لا تزال تداعيات زيارة الصدر الى السعودية محل اهتمام ومتابعة والسؤال الأبرز لماذا اختارت السعودية مقتدي الصدر؟
 

دواعي الدعوة السعودية واختيار الصدّر

نظام الحكم السعودي يعاني من مشكلة التكبُر والنظرة الفوقية للأخرين ، وفي تعاطيه مع مذهب أهل البيت (ع) أفتقد للحكمة كثيراً، وبدل أن يتواصل مع الشيعة العرب الذين هم مكون رئيس في دول الخليج العربي ، اختارت المملكة إلغاء هؤلاء والتشكيك بنواياهم و وطنيتهم وكذلك قهرهم وغصبهم حقوقهم الطبيعية بالمواطنة .

وعندما تسنم الشيعة الحُكم في العراق نأت المملكة عنهم ، ولسان حالها يقول لن نتعاون أو نعترف بحكم الصفويين عملاء إيران على أرض الرافدين .
كل هذه المواقف الخاطئة من الرياض قابلها على الطرف الثاني رسائل حب وإخاء ومودة وتواصل من قبل جمهورية ايران، مما جعل الشيعة العرب يعتقدون ان لا دولة قوية تساندهم وتعاضدهم وتدافع عن حقوقهم سوى إيران ، أما السعودية فأصبحت بنظرهم العدو الأول.
إيران خططت وعملت على شيطنة السعودية نظاماً وشعباً بعيون الشيعة، ونجحت بامتياز، ساعدها على ذلك جهل وسوء تصرف سعودي وحتى عربي.

مواجهات سوريا واليمن والعراق والبحرين كشفت لأمراء ال سعود الحقيقة ، وهي خسارتهم لأخوتهم العرب الشيعة الذين أصبحوا يرون مملكتهم العدو الأول حتى قبل اسرائيل، ويندفعون بشدة مستجيبون للنداء الإيراني بالقتال ضد حلفاء المملكة هناك . 

ومع صعود قيادة جديدة للعربية السعودية فالواضح إن مناهج تعاطي أخرى سيتم اعتمادها، منها محاولة الانفتاح والتعاون مع القوى الشيعية - التي رفضت الارتماء بأحضان طهران - لإيقاف التمدد الإيراني في الأراضي العربية خصوصاً بعد أن رأوا بأعينهم الكلفة الباهظة جدا للحرب باليمن وسوريا دون تحقيق نصر عسكري فيهما .

لكن من هي القوى العربية الشيعية التي تمتلك حجم تأثير ديني واجتماعي وجماهيري كبير وغير تابعة لإيران ولا تمانع أن تكون البوابة لتصالح سعودي - شيعي ومدخلاً لتحسين العلاقات مع ابناء الطائفة الشيعية العرب ، هل توجد هكذا قوى لا تخشى ايران ولا تخضع لإملاءاتها؟ ومن هي الشخصية التي تقودها ؟.

توجد قوى وجهة واحدة فقط على وجه المعمورة تحمل كل هذا المواصفات إنها التيار الصدري بقيادة السيد الصدر.

إقرأ أيضًا: زيارة الصدر الى السعودية الدواعي ..الدلالات .. النتائج

دوافع الصدر للقبول

النجاح بإبعاد نوري المالكي المدعوم ايرانياً والذي يُعد من أسوء المسؤولين حول العالم بموضوعة الفساد وسوء الإدارة والتسبب بافتعال الأزمات والفتن ، بَشَرَ بولادة حكومة يرأسها العبادي ويتولى خارجيتها الجعفري وكلا الرجلان انتهجا نهجاً مغايراً في السياسة الخارجية عمن سبقهما بالابتعاد عن الدخول في حرب المحاور وعن التعمد بتعكير العلاقات مع خصوم إيران ، هنا أحست المملكة إن الفرصة سانحة ويجب استغلالها بالتقرب من العراق ، فعملت على دعم التحالف الدولي المتكون لأجل محاربة داعش ، ومن ثم تقديم تهنئة للعراق حكومةً وشعباً بمناسبة النصر الذي تحقق بتحرير مدينة الموصل وايضاً إرسال وزير خارجيتها (الجُبيّر) إلى بغداد مردفهً إياه بوزير الطاقة والثروة المعدنية -لأجل توحيد المواقف في أوبك – واستقبالاها اللائق لرئيس الوزراء العراقي خلال لقائه بملكها وكذلك إعلانها الاستعداد لفتح المعابر الحدودية بين البلدين والتعاون في ضبط تسلل التكفيريين وأخيراً تحقيق زيارة ناجحة من قبل وزير الداخلية العراقي لعاصمتها. 

كل هذه المواقف أعطت للسيد الصدّر دلالات على إن المملكة شَرَعَت بالانفتاح على العراق وتود مغادرة الحقبة السابقة ، وسماحته يعلم إن العلاقات الايجابية بين الحكومات أمر بغاية الأهمية لكنها ليست كافية لتوطيد الأواصر بين الدول إذا لم يتم تعزيزها بصلات شعبية مُجتمعية أخوية بين مواطني البلدين خصوصاً إذا كان البلدان جارين ومسلمين ، يضاف الى ذلك إن العامل المذهبي الديني تم توظيفه بشكل مؤثر في تأجيج الخلافات وخلق حواجز بين مواطني البلدين الجارين ، فإذا أُريدَ فعلاً عمل تقارب بين الدولتين يجب حينها ان يكون العامل الديني والشعبي حاضراً وبمن يمثله ، وهم رجال الدين والزعماء المجتمعيين.

وسماحته يَعلَم ان الانفتاح على الأخر وخصوصاً المسلم والحوار معه ومحاولة التواصل ونزع فتيل الفتن وتقليل البغضاء والتعامل بروح الأخوة الإسلامية هي المبادئ التي آصَلَ لها أهل البيت (ع) بسيرتهم العملية وطبقها وسار عليها الأسلاف الصالحين للسيد الصدر الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين والإمام الشهيد السيد موسى الصدّر بما عُرِفَ عنهما من لقاء وزيارة الملوك والرؤساء العرب لتقريب وجهات النظر وحل المشاكل وافشال مخططات الاستعمار الراغب بدق إسفين الفُرقة والتناحُر والتحارب بين المسلمين.

والعامل والظرف الزماني يحكي ان العراق بات يتعافى ويقف على قدميه بعد تحرير اغلب المدن من يد عصابات التكفير وتخطيه للأزمة المالية واستعادة علاقاته الطيبة بأغلب العواصم العربية والعالمية ، ويحكي إن سماحته أصبح القائد الشيعي الأبرز والأهم والأكثر مقبولية بين العرب على اختلاف مذاهبهم تبعاً لعدم تبعيته السياسية ووحدوية مواقفه الإسلامية وللأخبار التي تتناقل عن السلوك المثالي المنضبط للتشكيل المسلح الذي يتبعه – سرايا السلام – وحُب سنة العراق له، ويحكي عن تماسك قاعدته الجماهيرية العريضة جداً وذياع صيتها بالشجاعة والتضحية بعد أن طردت المحتل الأمريكي من بلدها وتصدت لتنظيم القاعدة وحمت المقدسات من دنس الدواعش ومحاربتها الان للفاسدين، ويحكي ان أوضاع الفتنة المذهبية والتقاتل الطائفي والحرب بين الأخوة على أشده ، وعليه يجب الإسراع بالتحاور والنقاش والتلاقي لفتح آفاق جديدة للسلم والتقارب والتعايش.

هنا أدرك سماحته أن لم يوافق على تلبية الدعوى فلن تجرؤ أي قامة شيعية عربية على تلبيتها او مثيلاتها بسبب الطوق الإيراني وثقل إملاءاتها التي توقع الجميع اسرى ورهائن خاضعين لسياستها ، وإن تجرأت فلن تكون متمتعة بجزء بسيط من رصيد الصدّر وثقله الديني والسياسي والشعبي، فلا يوجد غير الصدر قادراً على كسر هذا الطوق والتمرد على أصطفافات المحاور الذي دمر دول المسلمين وأشعل الحروب المذهبية ، وسماحته واثق تماماً أن ثمن موافقته سيكون باهضاً جداً .

يتبع القسم الثالث وفيه :
* مجريات الزيارة والحوارات
* هجوم ايران وحزب الله على الصدر
* نتائج الزيارة

فراس محمد