يختلف اللبنانيون على أمور كثيرة في القضايا السياسية والوطنية، ولكنهم يتفقون، هذه الأيام بالذات، على الالتفاف حول الجيش، ويعتبرونه المؤسسة الوطنية الأولى، وهو السياج الذي يحمي الوطن، وهو درع الأمن والأمان للبنان كلّه.

ارتفاع منسوب المشاعر الوطنية الجامعة حول الجيش، يُشكّل، في هذه الفترة، رافعة معنوية كبيرة للمؤسسة العسكرية، قيادة وضباطاً وجنوداً، وهم يستعدّون لخوض معركة طرد الإرهاب من جرود رأس بعلبك والقاع، وتوجيه ضربة قاصمة لتنظيم «داعش» في لبنان.

وأصبح واضحاً أن قناعة اللبنانيين بقدرة جيشهم على كسب المعركة ضد داعش، تتصاعد وتترسّخ يوماً بعد يوم، على خلفية المناقبية العالية التي يتحلى بها العسكر اللبناني أولاً، وإيماناً بمقدرة الجيش على التغلب على التحديات والصعوبات اللوجستية التي ستواجهه في الجرود، وتضاريسها الوعرة بتلالها ومرتفعاتها، كما في أوديتها ومغاراتها.

معركة جرود رأس بعلبك والقاع، ليست الأولى التي يخوضها جيشنا الوطني ضد الإرهاب. فالحرب في مخيم نهر البارد، وما تعرّض له العسكريون من غدر بسكاكين ما سُمّي «فتح الإسلام» يومذاك، سبق كل المشاهد البشعة التي أطلقتها «داعش» والنصرة في سوريا والعراق، وحتى في جرود عرسال، واستطاع الجيش الانتصار في المعركة، رغم محدودية إمكانياته في تلك الفترة، وعدم توفّر طائرات مجهزة للمشاركة في المعركة، فضلاً عن افتقاده للمدافع الحديثة، والصواريخ التي تصيب أهدافها بدقة بالغة.

تحمّل الجيش التضحيات والخسائر البشرية الجسام، ولكنه انتصر بقيادة العماد ميشال سليمان عبر القضاء على أكبر بؤرة إرهابية ظهرت في لبنان، ودول الجوار، حتى عشية اندلاع الحرب في سوريا، وذلك من دون مساعدة من أي طرف داخلي أو خارجي، ورغم أن البعض اعتبر مخيم نهر البارد «خطاً أحمر»، ممنوع التعرّض له، أو الدخول إليه!

* * *

معركة اليوم لن تكون أصعب من معركة الأمس في مخيم نهر البارد، قياساً إلى ما كانت عليه إمكانيات الجيش بالأمس، وأصبحت عليه اليوم.

ولكن يبقى من الأهمية اللازمة أن تغطي السلطة السياسية العملية العسكرية، وتترك لقيادة الجيش صلاحية إدارة المعركة، وما تقتضيه من تكتيكات ومناورات، بعيداً عن أي استغلال، أو حتى ابتزاز، سياسي أو حزبي.

هي «معمودية النار» للقيادة العسكرية الجديدة، بل وللعهد كلّه، سيثبت بنتيجتها الجيش، مرة أخرى، أنه قادر على حماية أمن الوطن والمواطن، ويستطيع القضاء على البؤر الإرهابية، من دون الانجرار إلى صخب الانتصارات الوهمية.

ومن البديهي أن يسعى لبنان إلى توقيت معركته على ساعة الصفقات الإقليمية، التي دفعت قطر، مثلاً، إلى التخلي عن «النصرة» وأخواتها من التنظيمات الأخرى، كما رفع داعمو «داعش» في اسطنبول وعواصم دولية أخرى أيديهم عن هذا التنظيم الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعد فقدانه رئيسه أبو بكر البغدادي، فضلاً عن تقدّم الحوارات بين موسكو وعدد من فصائل المعارضة السورية، التي وافقت على اتفاقات «تخفيض التوتر» في أكثر من منطقة سورية!

يضاف إلى كل ذلك، عودة الحرارة إلى علاقات الدوحة بطهران، ومبادرة الأولى إلى تجيير العديد من أوراقها الإقليمية إلى الأولى!

وعلى ضوء هذه التطورات المتلاحقة، يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يستفيد لبنان من هذه الفرصة السانحة لإقفال الملف الإرهابي على أراضيه.. أم أن الأنانيات السياسية والحزبية المعهودة ستؤدي إلى تضييع هذه الفرصة، كما حصل مع عشرات الفرص الأخرى؟