هي طعنة للجيش اللبناني، لا مجرد إهانة، كما وصفها  الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أن يترافق الاعلان عن قرب إطلاق حملة طرد إرهابيي داعش من جرود السلسلة الشرقية من جبال لبنان، مع أنباء عن أن خبراء عسكريين اميركيين يزيد عددهم عن السبعين سيشاركون في هذه المعركة، التي يترقبها اللبنانيون جميعا، ويعتبرون أنها ستزيل اللبس المحيط بمعركة جرود عرسال وتنهي الجدل الدائر حول وقائعها ومآلاتها.

في البدء، ثمة ما يثير الاستغراب في تحول حملة الجيش المرتقبة خلال أيام -كما قال نصر الله وكما هو شائع أصلا- على داعش الى مادة علنية مباحة تسقط عنصر المفاجأة المفترض في مثل هذه الحالة وفي وجه عدو همجي لا شك في أنه يعد العدة الآن للمعركة، ويجهز  إنتحارييه"الانغماسيين"ليكونوا  خط دفاعه الاول وسلاحه الاخطر لاستيعاب الموجة الاولى من الهجوم وصده..على نحو ما فعل في الموصل، وما يفعل في الرقة ودير الزور وسواهما.

وثمة ما يثير الذهول، وربما يستدعي التحقيق، في إشارة نصر الله الى أنه لم يكن لدى الحزب مانعاً في أن يخوض الجيش اللبناني معركة جرود عرسال. وفي هذه الحالة لا يبقى السؤال عن سبب مبادرة الحزب الى تلك المعركة، بل عن سبب عدم تكليف الجيش بهذه المهمة، السهلة نسبياً، والمجزية سياسياً بالمقارنة مع ما ينتظره من قتال داعش، وما إذا كانت الحكومة تلكأت أو ترددت او حتى إختلفت حول الحاجة الى طرد النصرة من جرود عرسال..وحرمت الجيش من فرصة تحقيق نصرٍ حاسمٍ ومكسبٍ دائمٍ.

كان يتوقع ان يطوى الجدل حول معركة جرود عرسال على التسليم السائد بأن الحزب سارع الى الهجوم لأنه كان يلح على إستعادة أسراه،  ولأنه يود ان يحمي بقعة إنتشار قواته على الطرف الاخر من الجرود، داخل الاراضي السورية، لكن نصر الله وجه ما يرقى الى مستوى الاتهام للحكومة بأنها لم تبادر الى تكليف الجيش بشن تلك الحملة العسكرية على النصرة.. مع أنها فوضته بذلك علناً، ثم سحبت التفويض من التداول، عندما شرع الحزب في القتال.

يمكن أن يعزى هذا الالتباس الى أن الدولة اللبنانية كانت وستبقى سيركاً سياسياً ، لا فاصل فيه بين المزح والجد، بين الخفة والمسؤولية، بين الكذب والصدق.. وهو ما يحيل الى الانباء المسربة عن إنضمام الاميركيين الى تلك الحملة المنتظرة على داعش، وما إذا كانت واشنطن، التي لا تميز في العادة بين النصرة وداعش، هي التي أوصت بتوزيع الادوار والمهمات اللبنانية، وخصصت الجيش بالمهمة الاكبر والابرز، التي تندرج في سياق بالغ الخطورة، وتضع المؤسسة العسكرية والدولة اللبنانية كلها على جبهة حرب عالمية على الارهاب ، لا يقوى لبنان على خوضها ولا يستطيع ان يتجاوز واجبه في تنفيذ عمليات دفاعية او وقائية ضد الارهابيين لمنع تسللهم الى الداخل اللبناني.

الإعلان عن إشتراك الاميركيين في المعركة المقبلة، بدلا من الاكتفاء بتقديم المساعدات العسكرية الضرورية، يطعن الجيش ويؤذيه. فالشراكة مع أميركا في الحرب على الارهاب لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تكون مربحة، ليس فقط لأنها تستفز الارهابيين وتستدرجهم لتحويل لبنان الى جبهة مواجهة مباشرة، لا مجرد فناء خلفي هادىء لجبهات سورية وعراقية مشتعلة، بل لأنها أيضاً تدمج لبنان مباشرة في مسار الصراع الاقليمي والدولي على سوريا والعراق.. ويطرح السؤال العفوي الاول عما إذا كان الدعم الاميركي للبنان يهدف الى منع الروس من التمدد نحوه، أو الى قطع بعض الطرق على إيران وحرمانها من الربط بين مناطق نفوذها الموزعة على معظم الاراضي السورية.

 لبنان في قلب معركة جدية جداً مع الارهاب، لكن أحداً لا يأخذها على محمل الجد..كما لو أنها أحد مهرجانات صيف 2017.