نفضت جرود عرسال عنها غبار إرهاب «جبهة النصرة» الذي دام خمس سنوات، ليلتقي تاريخ رحيلها نهائياً عن الحدود الشرقية مع ذكرى معركة الثاني من آب 2014 التي سقط فيها شهداء للجيش اللبناني وأُسر عسكريون، ليُقفل هذا التاريخ على كابوس مضى إلى غير رجعة، فيما تشخص العيون إلى جرود رأس بعلبك والقاع حيث يتحضر الجيش اللبناني لتحريرها من «داعش».
 

منذ ساعات الصباح بدأت الإستعدادات لنقل المسلحين وعائلاتهم من وادي حميد إلى بلدة فليطا السورية، 7777 بين مسلحٍّ ومدني استقلّوا الحافلات التي كانت تجمّعت قبل أيام في المنطقة، لكنّ المفارقة كانت في عدد مسلّحي «النصرة» الذين سينتقلون إلى إدلب حيث بلغ عددهم 1116 فيما كان الحديث بعد إنتهاء المعركة وبدء المفاوضات عن 120 مسلحاً لا يزالون في الجرود وتمّ حصرهم في محلة وادي حميد.

وفي وقت غصت منطقة وادي حميد بالراغبين في الترحيل، جهد عناصر الأمن العام بإتمام المسائل اللوجستية وإنهاء التدقيق في الأسماء، فيما كان النازحون الذين شملتهم عملية الانتقال عملوا على بيع مقتنياتهم في بلدة عرسال وسط خلافات بين مَن يريد الرحيل وبين مَن يريد البقاء.

أما «جبهة النصرة» التي أحرقت مقارّها ولا سيما مقرّها الأساسي في محلة وادي حميد بعد حاجز الجيش، فعقدت هيئتها الشرعية إجتماعاً برئاسة أميرها أبو مالك التلّي الذي دعا عناصره إلى رفع المعنويات، معتبراً أنّ ما حصل لا يُعتبر هزيمةً خصوصاً أنّ العمل سيستمر في إدلب، وذلك وسط صيحات التكبير.

إرهاب «النصرة» لم يُعفِ عناصرها حيث أنزلت أحد عناصرها رعد الحمادي الملقب بـ»رعد العموري» من إحدى الحافلات المغادرة وقتلته بالرصاص أمام أعين المدنيين الراحلين بسبب خلافات داخلية.

وعند الخامسة إنطلقت القافلة التي تضم مئةً وثلاثة عشر حافلة محمّلةً بمسلّحي «النصرة» وعائلاتهم إضافةً إلى نازحين مدنيين رغبوا في العودة إلى سوريا، وسط إجراءات للجيش اللبناني بمواكبة الأمن العام والصليب الأحمر اللبناني والدولي، حيث ستكون المواكبة إلى الحدود اللبنانية - السورية عند بلدة فليطا، ومن هناك يتولّى «حزب الله» والصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري مواكبة القافلة عبر طريق النبك - طريق حمص الدولي وصولاً إلى حماه وريف حلب، ومن هناك تنتقل الحافلة إلى داخل إدلب بالتوازي مع إطلاق سراح أسرى «حزب الله» الخمسة الذين كانوا قد أُسروا في تلة العيس في حلب عام 2015.

وفيما عمل «حزب الله» على تسوية الطريق وتسهيلها أمام الحافلات من وادي حميد حتى سهل الرهوة وصولاً إلى جرود بلدة فليطا، إنتشرت آليات الحزب وعناصره لتواكب القافلة وسط رفع الأعلام اللبنانية وأعلام الحزب على طول الطريق.

بدورها، عاشت بلدة عرسال حركةً طبيعية وأملاً بالهدوء والأمان خصوصاً أنّ الراحلين كانوا من بيئة «النصرة» الحاضنة إضافةً إلى مسلّحيها الذين هدّدوا أبناء البلدة طوال الفترة الماضية، وسط تصفيات لبعض العراسلة وعمليات خطف وإقامة المحاكم الشرعية، إضافةً إلى إرتياح للعدد المغادر والذي يخفف العبء عن البلدة.

أما بلدة الهرمل فتتحضّر لإستقبال إبنها الأسير المحرَّر حسن نزيه طه الذي أُسر في ريف حلب الجنوبي عام 2015 بعدما كانت قد تهيّأت منذ الثلثاء لإستقباله على وقع رفع صوره وأعلام الحزب وتزيين مداخل البلدة ومنزل العائلة.

ومع وصول القافلة إلى إدلب وإطلاق سراح أسرى «حزب الله» يُطوى ملف «جبهة النصرة» في جرود عرسال، لتصبح قصةً من ماضٍ سيّئ عاشه أبناء المنطقة إنعكس قتلاً ودماءً ستبقى في رقبة مرتكبيها.