تعتبر زيارة مقتدي الصدر الى السعودية سابقة في تاريخ العلاقات السعودية مع المكونات الشيعية في العراق وبالتأكيد ثمة تداعيات سياسية مهمة لهذه الزيارة
 

بدعوة رسمية قدمها الديوان الملكي السعودي، وصل زعيم التيار الصدري والقائد الروحي لاثنين من أبرز فصائل مليشيا "الحشد الشعبي" في العراق، هما "سرايا السلام" و"لواء اليوم الموعود"، مقتدى الصدر، إلى السعودية، في زيارة تحمل أكثر من دلالة سياسية ودينية نظرا لما يمثله الرجل الشيعي في العراق من حضور على المستويين السياسي والديني.
وتأتي زيارة الصدر الى السعودية وسط توتر غير مسبوق في العلاقات السعودية الايرانية من جهة ووسط قطيعة شبه كاملة بين السعودية وحزب الله من جهة ثانية  حيث يعتبر الصدر على علاقة وطيدة مع حزب الله وإيران.
دلالات وأهداف عدة ترتبط بهذه الزيارة التاريخية حيث تحدثت المعلومات أن الزيارة تطرقت إلى ملفات عدة عراقية وسعودية ومن أهمها محاولة التوسط لتهدئة التدهور الحاصل في منطقة القطيف السعودية وتحديداً مدينة العوامية التي يحظى الصدر بشعبية واسعة فيها.

إقرأ أيضًا: ايران بين الدبلوماسية السياسية والدبلوماسية الصاروخية
وأعلن مكتب الصدر، في بيان مقتضب، عن توجه الأخير إلى السعودية بدعوة رسمية، على رأس وفد من مساعديه، من دون ذكر مزيد من التفاصيل، إلا أن قيادياً في التيار الصدري قال في تصريح صحفي أن كبار مساعدي الصدر، بينهم المعاون الجهادي، كاظم العيساوي، المعروف باسم أبو دعاء العيساوي، ضمن الوفد المرافق للصدر، الذي من المقرر أن يلتقي مع ولي العهد، محمد بن سلمان، ومسؤولين آخرين، فضلاً عن أعضاء في هيئة كبار العلماء، وقال عضو التيار الصدري في محافظة بابل، الشيخ جمال العبيدي، إن "الزيارة جاءت بدعوة رسمية من السعودية، مبيناً أنه "سيتم بحث ملفات كثيرة خلال الزيارة"، من دون أن يكشف عنها، لافتاً إلى أن "الزيارة قد تستمر يومين أو ثلاثة، وستكون بالتأكيد هناك ملفات للتحدث بشأنها ضمن أولوية المصلحة العراقية".
ويواجه الصدر، الذي أسس مليشيا "جيش المهدي" ثم "سرايا السلام" و"اليوم الموعود"، اتهامات عديدة بالوقوف وراء عمليات تطهير طائفية في بغداد ومدن أخرى من البلاد، وقال عضو في البرلمان العراقي إن "الزيارة ستتناول ملفات مختلفة، بينها ملف تهجير وطرد السنة من مدن تسيطر عليها مليشيات الحشد بعد تحريرها من داعش، مثل مدن بابل وبيجي وديالى وصلاح الدين، فضلاً عن ملف التوافق الداخلي ودعم مشروع توحيد القوى السنية"، وأضاف "بالنسبة لي أملك معلومات عن أن السعودية تسعى من زيارة الصدر هذه إلى دور إيجابي له في ملف الاحتجاجات المتصاعدة بمحافظة القطيف وبلدة العوامية، إذ يحظى الصدر هناك بشعبية جيدة، وهناك مقلدون لحوزة النجف التي يعتبر محمد الصدر، والد مقتدى، المؤسس والمنظر الأول لها"، وفقاً لقوله، وأضاف، إن "الزيارة مهمة أيضاً بالنسبة للسعودية"، مؤكداً أن دعوات مماثلة وجهت إلى "شخصيات شيعية، سياسية ودينية، من قبل السعودية، مثل عمار الحكيم وجواد الخالصي وهمام حمودي، لكن من غير المعلوم ما إذا كانت ستتم تلبيتها من قبل الآخرين أم لا".

إقرأ أيضًا: انتصارات ترفرف في سماء العرب
ووفقاً للخبير بالشأن العراقي، الدكتور عبد الحميد الراوي، فإن "التوجه السعودي الحالي في العراق جزء من خطتها لمواجهة إيران من خلال الانفتاح على المكون الشيعي"، مبيناً أنه من غير المستبعد أن تتم دعوة شخصيات أخرى مماثلة للصدر، "خصوصاً أن دعوتها للصدر، رغم كونه قائداً لفصيلين مسلحين ضمن الحشد الشعبي التابع للحرس الثوري الإيراني، وفي هذا الوقت تحديداً، تعتبر مفاجأة من العيار الثقيل"، وأضاف أن "مسألة معالجة الطائفية في العراق بمشروع طائفي أيضاً ترسيخ لمأزق المحاصصة الطائفية الذي وقع فيه العراق، والذي أثبت للجميع أنه لا حل له إلا بحكم مدني غير إسلامي بسبب تعدد طوائفه ودياناته".
في سياق آخر شن مناهضو ومنافسو الصدر من الكتل الأخرى داخل التحالف الوطني، فضلاً عن فصائل في مليشيا "الحشد الشعبي"، حملة إعلامية واسعة على الصدر بعد إعلان مكتبه مغادرته العراق إلى السعودية، وذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر محطات فضائية عراقية، واعتبر أحد أعضاء "حزب الدعوة الإسلامية"، بزعامة نوري المالكي، أن زيارة الصدر إلى السعودية "غير مؤثرة على المشهد السياسي العراقي"، وهي "رهان خاسر في حال رغبت الرياض باستثماره"، وقال صلاح البطاط، أن "هناك من يحاول أن يقسم شيعة العراق سياسياً بين شيعة إيران وروسيا وشيعة الخليج وأميركا، وهو ما نراه واضحاً منذ مدة، ويجب تحذير الجميع منه"، وفقاً لقوله.
وبالتأكيد فإن هذه الزيارة لم تراع المزاج الايراني إلا أنها تؤكد على أن الصراع السعودي الايراني هو صراع سياسي بإمتياز، صراع يتجاوز الطائفة والمذهب، وقد نجح الصدر في زيارته هذه من تكريس حضوره السياسي كشخصية اختارت منحى الإعتدال السياسي والديني وهي تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين مكونات شيعية والمملكة العربية السعودية وإن من شأن هذه العلاقات أن تحد وتخفف من الإحتقان الطائفي والمذهبي في العراق خصوصا و المنطقة العربية عموما .