«هددت السعودية بضرب إمارة قطر ببكتيريا مرض الكوليرا كما ضربت، من قبل، اليمن بهذه البكتيريا التي تحصد الآن الآلاف من اليمنيين».
 

هذا نص تغريدة كتبها طلال سلمان بتاريخ ٢١ يونيو ٢٠١٧ في موقع «تويتر»، سلمان فضلا عن أنه مؤسس ورئيس تحرير صحيفة السفير البائدة، هو أحد أشهر هواتف العملة في
لبنان، فقبل تغريدته المذكورة بفترة، حين كانت صحيفته تلفظ أنفاسها الأخيرة، زار السفارة السعودية طالبا دعما ماليا.
ليس هذا مهما، ففي ذروة الاصطفاف السياسي اللبناني بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اتخذت صحيفة السفير موقفا واضحا مع القتلة، مع أن القتيل مد لها يد
العون غير مرة، ومع اصطفاف الصحيفة الواضح مع سوريا الأسد وحزب الله وإيران، لم يكن هناك بأس بأن يكتب طلال سلمان بيده مديحا في السعودية بسبب امتلاء هاتف العملة،
المزعج أنه نال اهتماما سعوديا أكثر من شخصية صحفية محترمة، مثل رئيس تحرير صحيفة اللواء صلاح سلام.
ننتقل إلى حالة أخرى ومغايرة، قام موقع محطة mtv) تلفزيون المر) بنشر مقالة خاصة وغير موقعة، وهذا يعني في العرف المهني، أن الموقع، أو ملاك التلفزيون، يتبنون المقالة
كسياسة رسمية، تقول المقالة العصماء: إنهم لن يقبلوا عقد مقارنة بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وبين أبي مالك التلي، فالخلاف مع ما يسمى بحزب الله مجرد
خلاف سياسي وامتعاض من بضعة فاسدين، بينما «النصرة» و«داعش» تنظيمان إرهابيان.
تلفزيون المر حالة مغايرة، لأنه منذ إعادة إطلاقه عام ٢٠٠٩ بدعم مباشر أو غير مباشر، وقف بشكل مشرف مع محور الاعتدال، ولعب دورا ممتازا في الانتخابات النيابية اللبنانية، عكس
قناة lbc التي أغرقها محور الاعتدال بالمال السياسي فوقفت ضد حلفائه في الانتخابات، ثم تقلبت -مع ميل واضح نحو الخصوم- نظير مشكلة تجارية مع الأمير الوليد بن طلال.
حالتنا الثالثة المهمة، بغض النظر عن ملكية الرئيس سعد الحريري لمجموعة المستقبل الإعلامية وعلاقته بالمملكة، فإن حال موظفي المجموعة، من الصحفيين والإعلاميين إلى
السعاة، في حال رثة، إذ لم يتسلموا رواتب ١٥ شهرا، وهذه معاناة مذلة، ومع ذلك ظل طاقم العمل مخلصا لرئيسه ولمحور الاعتدال، ولم تبدر أي زلة، سواء من المفصولين أو
المستمرين في العمل، إزاء المملكة، بل الدفاع المستميت، وكأن إعلام السعودية والمستقبل جسم واحد، لذا يستحق هؤلاء الكادحون الصابرون لفتة سعودية طيبة بغض النظر عن
مرجعيتهم السياسية وأحوالها، وهم أشرف -قطعا- من آخرين أنكروا الجميل والمعروف.
أسوق الأمثلة الثلاثة، لأتحدث بصراحة عن ملف الإعلام السياسي، أو ملف المال السياسي الداعم للإعلام في العالم العربي، فلو وضعنا المال السياسي الذي صرفناه خلال عقود
في موضعه وراقبنا أثره وحاسبنا مسيريه لملكنا كل الصحف والقنوات العربية، وما كان لخصومنا هذا التأثير والتشويش والإزعاج.
من لبنان إلى مصر، شاهدنا إعلاميين في أزمات سابقة، لا يتورعون عن الإساءة للمملكة رغم عمل بعضهم في مؤسساتنا، ومنهم من يصفق لإيران علنا، وبعضهم هذه الأيام،
تستقبلهم سفارتنا في القاهرة كالأبطال بسبب تقلب السياسة أو لتوسيع رزقهم، ونجدهم بجوارنا في بعض المناسبات الوطنية وكأن الخبيث يستوي والطيب، مقابل إهمال
إعلاميين آخرين أكثر صدقا وإخلاصا، فالأشرف لنا تقديم صاحب الوجه الواحد -على هواتف العملة- حتى لو كان ضدنا، وأثبتت مضاعفات استعادة تيران وصنافير احتياجنا لعمل أكبر
في مصر، إذ يبدو لي غريبا ترديد مثقفين مصريين بأن السعودية ما زالت تدعم الإخوان، رغم أن المملكة كانت رأس الحربة في ثورة ٣٠ يونيو وتصنف الجماعة تنظيما إرهابيا، ويبدو
غريبا ميل نخب مصرية للرؤية الإيرانية، ومنها أن العميل الإيراني المجرم بشار الأسد حمامة سلام وطنية وأن المملكة هي راعية الإرهاب في المنطقة وأن من يحاربه هو حزب الله،
ويبدو لي غريبا مشاركة عامي مصري في تظاهرة تزعم «شراء» المملكة لتيران وصنافير.
في العالم العربي لا توجد صحافة حرة ولا يوجد إعلام محايد، هذه حقيقة أولى يجب الاعتراف بها، وقناة الجزيرة التي ملأت الدنيا صراخا بشعار «الرأي والرأي الآخر» انكشفت نهائيا
كأداة سياسية موجهة من قطر.
والإعلام قوة لا يستهان بها، فأحيانا تستطيع الكلمة أن تهزم رصاصة، ويحقق القلم أهدافا لا يحققها صاروخ، وليس غريبا في ظل إعلام موجه، قلب الحق إلى باطل، هذه حقيقة
ثانية يجب الإيمان بها، وندلل عليها بنجاح منظومة الإعلام الإيراني والقطري، فعاصفة الحزم التي تعد دفاعا عن النفس ونجدة للدولة اليمنية، صورها الإعلام المعادي عدوانا،
والإجراءات السيادية التي اتخذتها دول مكافحة الإرهاب دفاعا عن أمنها، صورها الإعلام المعادي محاصرة لقطر، وما يلفت النظر، أن الإعلام المعادي ليس ناجحا فقط باللغة العربية،
لكنه متغلغل في وسائل إعلام أوروبية وأمريكية، ما استنزف جهود دبلوماسيينا، وربما استنزف جهود رجال أمننا أمام التحريض على الإرهاب والفوضى، في حين أن هذه الجهود
وجب تركيزها في موضع آخر وأهم أو تلافيها أساسا.
المال السياسي ليس عيبا على المانح أو على الممنوح لتلاقي المصالح وتبادلها، العيب هو أن لا يؤدي المال السياسي أثره المطلوب، والعيب أن لا تتم متابعة المال السياسي
بعملية مؤسساتية تبني شبكة مصالح دائمة تستغني -لاحقا- عن المال السياسي، فإذا كان من تعريفات الحرب «عمل عسكري هدفه فرض إرادة سياسية عجزت عن تحقيقها
السياسة»، يمكن أن نضع الإعلام في نفس السياق، وسيلة أو نشاط يحقق ما لم تحققه السياسة والرصاصة، أو يدعم مخططات السياسة والسلاح، وهذا يجري في العالم العربي
وغيره، وإن اختلفت الأساليب تحت نفس العناوين، ونطمئن الحريصين على المال العام بأن هذه الرؤية لن تكون مصدر خسارة بفضل مكانة المملكة في سوق الإعلان، والأهم أننا
حين نقيس كلفة الاهتمام سنجدها مربحة، لأن كلفة التقصير أفدح، وأطالب صناع القرار بإضافة فصل واضح عن الإعلام في رؤية ٢٠٣٠ لأسباب سياسية مذكورة، ولأسباب اقتصادية،
أهمها تنامي أرباح النيوميديا عموما.
حققت المملكة ريادتين، ريادة الصحافة العربية المسافرة عبر صحيفتي «الشرق الأوسط» و«الحياة» بفضل عبقرية الناشرين هشام ومحمد علي حافظ ونباهة الأمير خالد بن سلطان.
وحققت ريادة القنوات الفضائية عبر مجموعة mbc بفضل نبوغ وليد الإبراهيم، وهناك شخصيات يجب أن لا تنسى في هذا المجال، كرجلي الأعمال صالح كامل والأمير الوليد بن طلال،
ولفت نظري منذ بداية عهد الملك سلمان الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي وإدراك قوتها وتأثيرها، وهذه سياسة سليمة، المطلوب أن نتوسع وبطريقة صحيحة.

ليس سرا، أن قناة «العربية» رأت النور لتحجيم قناة «الجزيرة» ونجحت في ذلك، لكن ما لا يعلمه كثر، أن هذه القناة كادت أن تولد بجنسية مصرية، ومن حسن الحظ أشار الوزير غازي
القصيبي على «الأمير» عبدالله بن عبدالعزيز أن تكون القناة الوليدة سعودية الملكية والإدارة، إيمانا بقدرة الكفاءة السعودية ومعرفتها الدقيقة بالمصلحة الوطنية، وخوفا من
تكرار تجربة إذاعة «صوت العرب» إذا وقع خلاف أو اختلاف سياسي، وحكمة الملك عبدالله باركت هذا الرأي، فأضافت التجربة للمملكة أثقالا في موازين القوة الناعمة، بل إن ما
يسعد أكثر أن القناة الأعلى مشاهدة في مصر ملكيتها سعودية.
ليس عيبا أن نتعلم من خصومنا كما نتعلم من الحلفاء، السياسة الإيرانية تعي جيدا أهمية وسائل الإعلام وخطورتها، وأعتقد أنها تعاملت مع الكم والنوع -إعلاميا- بذكاء، وألفت
النظر إلى اعتمادها أسلوبا ناجحا جربناه، أيرنة الملكية والإدارة بشكل مباشر وغير مباشر، توازي ذلك مع اختراقات نافذة في وسائل إعلامية مؤثرة، والخبث القطري تعامل مع نفس
الفكرة بنفس الأسلوب، فحين فرضت دول الخليج إيقاف تحريض قناة الجزيرة قبل الأزمة الراهنة، امتثلت قطر نظريا لأنها أسكتت الجزيرة، لكنها أطلقت مؤسساتها الإعلامية
الموازية في تركيا وفي لندن لتؤدي ما كانت تؤديه الجزيرة قبل الامتثال، وأشعر بالأسف لأن الإعلام المعادي نجح في استخدام تكتيك «الغرف السوداء» ضدنا إقليميا ودوليا.
خصومنا أدركوا أهمية لبنان سياسيا وأمنيا وإعلاميا أكثر منا، يكفي إحصاء عدد القنوات المعادية التي تبث منه مثبتة تأثيره، وربما تتم مناقشة الأمر مع وزير الإعلام اللبناني
الصديق ملحم رياشي لو زار المملكة قريبا.
دولة الإمارات، أدركت أهمية الإعلام وأدركت حاجتها لتأثير مضاف فوق تأثير الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، فأحيانا يكون تمرير رسالتك عبر آخرين أنجع وأوقع، نجحت في لندن مع
صحيفة العرب، وفشلت في مصر مع قناة الغد العربي، وقناة سكاي المعربة ما زالت في طور التقييم والتقويم، ويحسب للإمارات أنها أول من أدركت خليجيا أهمية مواقع التواصل
الاجتماعي.
بعد هذا التنظير والرصد، أعود للأمثلة اللبنانية، بعد التسوية الرئاسية الفاشلة التي حولت لبنان موضوعيا إلى كانتونات طائفية، حزب الله يحكم البلد ويقتل السنة ويغتال معنويا
ساسة تيار الاستقلال والسيادة تحت نجاح باهر لمنظومته الإعلامية والدعائية في تبييض صفحته الإجرامية والإرهابية، وينتظر إجراء الانتخابات النيابية بقانون معطوب يسقط لبنان
في جهنم الممانعة، وبعض الأحزاب المسيحية متفرغة لنهب ما تستطيعه من الميزان السني.
وفي ظل إهمال الخليج للبنان سياسيا، لم تخجل قناة صديقة من التقوقع الطائفي وتبني رؤية «تحالف الأقليات»، فالإرهاب سني ولا غير، وما فعله حزب الله من جرائم في لبنان
وسوريا والعراق واليمن ودول الخليج لا يتجاوز الخلاف السياسي وشطط بضعة فاسدين، أما هواتف العملة حين أيقنت استحالة عودة المال السياسي تفاقمت كلماتها، ولم يبق
معنا في المعركة ضد إيران غير الولاء السني الأبدي وبضعة أحزاب وشخصيات وطنية من طوائف أخرى. يقول صحفي مرموق «محور الممانعة يحول القمائم إلى نجوم، ومحور
الاعتدال يطفئ نجومه وأحيانا يضغطهم بالإهمال القاتل».
نجح حزب الله في تصوير معركته ضد «النصرة» و«داعش» في الحدود الشرقية على أنها معركة ضد الإرهاب، بينما هي معركة بين إرهابيين أشعلتها إيران لضرب السنة وابتلاع
لبنان كليا، والطريف أن أغلب وسائل الإعلام المسيحية تحولت إلى أبواق إيرانية، وهذا ليس غريبا ورئيس البلاد ينتمي لنفس الخط، ومن حسن الحظ أن بعض وسائل الإعلام في
الخط المقابل صمدت كإذاعة «صوت لبنان - الأشرفية»، والمضحك المبكي أن المسيحيين الذي منوا لسنوات على المسلمين بتأسيس لبنان الكبير وبشهدائهم تغطي أغلبيتهم
السياسية السلاح الإيراني ومشروع الانقضاض على الدولة وعلى السنة منذ ٢٠٠٦ ،وكأنهم في ذمية طوعية وجماعية لإيران، كما قال الأب جورج مسوح، وهذا المشهد يدعونا
للتأمل، فنقابل المصالح بالمصالح -مع الاحتفاظ بحدود أخلاقية ضابطة- والطائفية بالطائفية والوطنية بالوطنية والولاء بالولاء.
على الإعلام اللبناني إدراك تغير الإعلام أولا، فالورق يأفل والنيوميديا تسطع بتأثير أعلى وبكلفة أقل، والخليج له وزنه الإعلامي المعتبر.
وعلى الإعلام اللبناني أن يدرك تغير دول الخليج، مثلا، مالك محطة الجديد اللبنانية طالب بإنهاء مجافاته الخليجية، وربما تعجب هذا المالك من تأخر الجواب، وإنني أعجب من عجبه،
فخطه الإخباري وافتتاحيات نشراته تقدس «المقاومة» ومرتزقتها، ولن يقبل أحد في كل الخليج بسياسة الوجهين، ولن يقبل خليجي واحد بجملة «نحبكم لكننا لا نستطيع تأييدكم
أو نخاف الوقوف معكم»، ولن يقبلوا بالابتزاز أو عض اليد الممدودة، وما ينطبق على الإعلام يمتد إلى السياسة.
أدعو لتنشيط وتجديد منظومتنا الإعلامية ضد إيران وحزب الله، وفي هذا السياق أجد من الضرورة إعادة هيكلة وزارة الإعلام وتجديد دورها، وإخراج قناة الإخبارية من السعودية إلى
عاصمة عربية وتسليمها للكفاءات، والالتفات لتكوين جماعات ضغط إعلامية وسياسية فاعلة وذكية في عواصم القرار الدولي.
كل هذا لن ينفع داخل لبنان ومراكز مواجهة إيران من دون مواكبة سياسية جدية والعودة إلى مشروع الاعتدال العربي، وإنصاف من قدروا وقوفنا إلى جانبهم، وتقدير من ظلوا
على محبتهم لنا رغم كل التحديات والإهمال والمعاناة، والتحرر من المتلونين والمبتزين وهواتف العملة، ولا أنسى التأكيد على الخلاصة الأهم، سعودة الملكية والإدارة بشكل
مباشر وغير مباشر، ومواجهة الدعاية بالمعلومة، ومعاملة الآخر وفق عقليته لا وفق عقليتنا، فلا يكفي أن تكون صاحب حق، عليك بالإعلام المؤثر والحديث أيضا، فالإعلام إذا كان
في الدول الديموقراطية سلطة رابعة، فهو في الدول الطموحة ركن رابع بعد الأرض والشعب والحكومة.