كان لافتاً الهدوء الذي تحدّث به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. أعلن الإنتصار بنبرة هادئة، معتبراً أن ما تحقق إنجاز، وأهداه إلى اللبنانيين. لكنه اعتبر أن المعركة مستمرّة.

قد يقول البعض إن عوامل طارئة استجدت قبيل الخطاب، وهي ما دفع نصرالله إلى عدم استعجال إعلان النصر النهائي، خصوصاً أنه طالب بعدم الضغط على الحزب بوضع أسقف زمنية لإنهاء العملية، واضعاً ذلك في إطار التكتيك، وبأن الحزب ليس مستعجلاً لأن هناك حسابات ميدانية دقيقة، ولا يريد ارتكاب أي خطأ يدفع بالمسلحين إلى التلطي باللاجئين وإلحاق الضرر بهم.

لا شك أن البعض توقّع كلاماً مرتفع السقف من نصرالله، وبأنه سيعلن نهاية المعركة مع جبهة النصرة بشكل نهائي. هناك من انتظر أكثر من ذلك، وأن يكشف مصير عناصر النصرة وأميرها، إذا ما كانوا غادروا الجرود أم مازالوا فيها. لكن نصرالله اكتفى بإعلان استمرار المعركة، واستمرار التفاوض. واللافت أكثر، هو توجهه إلى قادة النصرة إلى اتخاذ قرار متعقل على غرار القرار الذي اتخذته سرايا أهل الشام بوقف القتال والموافقة على الانسحاب، داعياً قادة الجبهة إلى عدم حشر أنفسهم في الخيار الصعب، لاسيما أنهم محاصرون من ثلاث جهات.

لا شك في أن لهدوء نصرالله أسباباً متعددة، قد يكون أبرزها أن العمليات العسكرية لم تنته، والمفاوضات لم تصل إلى أي مكان، خصوصاً أن بعض الفصائل في النصرة، والتي تتمسك بالقتال حتى آخر نفس، تتحدث عن تنفيذها عملية ضد مواكب للحزب عصر الأربعاء، قبل إلقاء نصرالله كلمته، وقد حققت هذه الضربة أهدافاً مباشرة لناحية تدمير أربع سيارات رباعية الدفع للحزب في عقبة نوح، وتحقيق إصابات مباشرة بمن فيها، معتبرة أن هذا ما دفع نصرالله إلى تليين موقفه وتغليب منطق الحوار والتفاوض.

ويتحدث هؤلاء عن أن التفاوض بدأ يتوسع ليشمل أجواء أخرى غير انسحاب النصرة من الجرود إلى إدلب، حيث بدأ يتطرق إلى أسرى حزب الله لدى الجبهة، وبعض الجثث، مقابل إخراج معتقلين من سجون النظام السوري. وتتحدث مصادر عن دخول وسطاء محليين وخارجيين على خطّ التفاوض. ويتلاقى هذا الكلام مع ما أعلنه نصرالله عن بدء مفاوضات جدية تقودها جهة رسمية مكلفة من الحكومة اللبنانية. والجهة هذه، وفق مصادر "المدن"، تتمثل بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس إيراهيم.

وفي مقابل هذه القراءة، تبرز قراءة أخرى مغايرة لخطاب نصرالله. تضع رؤيتها في السياق الاستراتيجي الأوسع، وتقول: "لقد حقق حزب الله ما يريده من معركة الجرود، وهو الاعتراف المحلّي والرسمي والسياسي والإعلامي والشعبي بدوره في محاربة الإرهاب، ووقوف معظم اللبنانيين خلفه في هذه المعركة، ولاسيما أبرز خصومه. لذلك، فإن نصرالله أراد تعزيز ذلك، وعدم اضاعته، فأصر على مخاطبة اللبنانيين باللغة الهادئة، والبعيدة عن استفزاز أي طرف، لاسيما أن الخطاب ارتكز على مبدأ أساسي، هو أن حزب الله يقاتل دفاعاً عن لبنان، ولحماية اللبنانيين، وهو مستعد لتسليم مواقعه للجيش اللبناني".

وتذهب هذه النظرة إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن هناك استحقاقات دولية وإقليمية يجب الوقوف عندها. فلا يمكن التغاضي عن العقوبات الأميركية المقبلة على الحزب، ولا عن الإتفاق الروسي الأميركي بشأن سوريا والذي أبعد إيران من الجنوب السوري، تزامناً مع تصعيد اللهجة الأميركية ضد إيران وحلفائها. بالتالي، فإن نصرالله من خلال هدوئه وكلامه، أراد التمهيد لمرحلة مقبلة، وهي تثبيت الاعتراف من خصومه اللبنانيين والخارجيين بأنه يحارب الإرهاب، لاسيما أن وجهة الحزب تغيّرت، فلم تعد حلب أو الرقة، بل في الأشهر المقبلة، ستكون وجهته لبنان، بناء على التفاهمات الدولية. لذلك، هو يصرّ على الإمساك بالمنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا. كلام نصرالله بحسب هؤلاء، تأسيسي لمرحلة جديدة، قد تأتي في الأشهر المقبلة. وهو يحاول استباقها لاستثمارها من منطق قوته، وقراءة دلالاته قد تتجلى، بقوله إنه لم يرد الردّ على كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب كي لا يحرج رئيس الحكومة سعد الحريري.