ما بعد معركة عرسال لن يكون كما قبلها، فالخطوط العريضة للتسوية الرئاسية التي أدّت الى انتخاب الرئيس ميشال عون بدأت تظهر على شكل هوية سلطة جديدة واضحة المعالم للمرة الاولى منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
 

واذا كان التسليم بالتوازنات الجديدة بات سيّد الموقف، خصوصاً لدى المشاركين في التسوية، فإنّ نتائجها ستصبّ أكثر فأكثر من الآن وحتى الانتخابات النيابية المقبلة على شكل اصطفاف شعبي وسياسي مختلف جذرياً عن الظروف التي رافقت الانتخابات النيابية عامي 2005 و2009، ويمكن تلمّس هذا المناخ في الانتخابات النيابية الفرعية التي بات مشكوكاً في تحديد موعد لإجرائها.

جملة عوامل يمكن ملاحظتها في هذه الانتخابات التي تتردد الحكومة في إجرائها، وأبرزها:

أولاً، تنطلق الانتخابات الفرعية في طرابلس من مجموعة مسلّمات أهمها انها لن تكون مجرّد انتخابات هامشية، بل ستتخذ طابع الاختبار والاستفتاء، وهذه الانتخابات التي ستدور على إيقاع ما جرى وما سيجري في معركة عرسال، ستكون اختباراً سياسياً للمدينة، ففي حين يعتبر الرئيس سعد الحريري أنه حَمى لبنان بالتسوية الرئاسية التي وافق عليها، في توقيت صعب تمرّ به المنطقة، وفي ظل تَخلّ واضح من ايّ لاعب إقليمي او عربي او دولي عن دعم ايّ مشروع يواجه «حزب الله»، وفي حين يلقى هذا التوجّه دعم بعض الشرائح التي تراهن على الاستقرار وإطلاق عجلة الاقتصاد ولو بالحدّ الأدنى، امّا في الجهة المقابلة فيخوض اللواء أشرف ريفي الانتخابات الفرعية وفق قاعدة انّ هذه التسوية شّكلت تنازلاً كبيراً لـ«حزب الله». ولهذا ستكون معركة طرابلس، اذا حصلت، استفتاء على نتائج هذه المرحلة القصيرة التي لن تنتهي مفاعيلها في وقت قريب.

ثانياً: أراد العهد المعركة الفرعية في كسروان لكي يحقق انتصاراً مسبقاً، يؤهّل «التيار الوطني الحر» للدخول في المعركة النيابية، بنحو مريح، وما يطرح في كسروان يختلف عن طرابلس، لكنّ قواسم المعركة يمكن ان تكون واحدة حسب طبيعة المرشحين، وما يتداول حتى اليوم وجود مرشّح منافس للتيار لا يبتعد عن الخط السياسي هو النائب السابق فريد هيكل الخازن، الذي يدعمه رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وهذا إن حصل سيعتبر منافسة داخل البيت السياسي الواحد، الّا اذا قررت القوى التي لم تشارك في التسوية أن تدعم مرشحاً يخوض المعركة ببرنامج 14 آذار، وأيّاً يكن هذا المرشح فإنّ مجرد التوافق على ترشيحه (من الكتائب والكتلة والاحرار والمستقلين) سيعطي للمعركة معنى سياسياً ستفتقده في حال استمرت بورصة الترشيحات على حالها، ولا بد هنا من انتظار ما سيقوم به النائب السابق فارس سعيد.

ولكن يبقى السؤال: هل تتفق أجندات المشاركين في الحكم على إجراء هذه الانتخابات، أم انّ رياح المصالح المتضاربة ستطيح هذا الموعد الدستوري أسوة بمحطات سابقة تمّ تجاوزها؟

الأرجح انّ معركة عرسال تعطي ذريعة جاهزة للتأجيل، لكنّ الانتخابات اذا حصلت سيمكن وصفها بفرعية عرسال، نظراً الى الوقع الكبير الذي أحدثته هذه المعركة على الرأي العام سواء في جبل لبنان او طرابلس، ففي كل بيئة من هذه البيئات تردّدات مختلفة وانعكاسات متناقضة، ستتعمّق أكثر فأكثر، مع تتابع ظهور نتائج التسوية الرئاسية.