سيخرج زعيم حزب الله بعد عملية عرسال وسيقول للبنانيين أنا من حرركم من إسرائيل ومن الإرهاب… والأمر لي
 
المئات من عناصر تنظيمي جبهة النصرة وداعش يتمركزون في مناطق على الحدود اللبنانية-السورية في ما يعرف من الجانب اللبناني جرود عرسال، ومن الجـانب السوري تلال القلمون الغربي. التنظيمان متواجدان منذ سنوات، حصلت في الأصل مواجهات عسكرية بينهما حيث يتمركز تنظيم داعش في المناطق الشمالية من هذه الجرود، فيما جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) في الجزء الجنوبي، كما يتواجد في هذه الجرود فصيل تابع للجيش السوري الحر.
 
حزب الله قرر أخيرا أن ينهي هذا الوجود العسكري بالتعاون مع الجيش السوري، بدأ حملة عسكرية مسبوقة بحملة إعلامية واسعة في الداخل اللبناني، ساهمت في تصعيد العداء ضد اللاجئين السوريين، حيث صدرت مواقف من حلفائه فيما تكفل الإعلام الممانع بلصق المآسي اللبنانية باللاجئ السوري. هذه الحملة العسكرية والتي شملت مناطق جرود عرسال وهي منطقة وعرة تمتد على مساحة أربعمئة كيلومتر مربع يتحكم حزب الله وجيش النظام في سوريا بالسيطرة شبه الكاملة عليها، فيما المسلحون داخلها هم في حالة حصار.
 
ويؤكد المراقبون أنّ حزب الله كان قادرا منذ العام 2015 على إنهاء وجود هذه المجموعات من الناحية العسكرية، إذ يجب الإشارة إلى أن هؤلاء المقاتلين في معظمهم هم من أبناء بلدات وقرى القلمون تلك التي كان حزب الله سيطر عليها في ذلك العام بشكل شبه كامل، فيما شكّل وجود هذين التنظيمين الإرهابيين أحد أهم أسلحة حزب الله التي استخدمها في مواجهة اللبنانيين الذين رفضوا تدخله في الأزمة السورية، بالقول لهم إنه هو من يحميهم من الإرهاب وأن هذه التنظيمات الإرهابية المتواجدة في جرود عرسال متأهبة للدخول إلى لبنان لولا أن حزب الله يحول دون ذلك.
 
اتفاق الجنوب السوري الذي قام بين روسيا والولايات المتحدة وبالتنسيق مع الأردن وإسرائيل، قضى بأن لا يكون للإيرانيين وميليشياتهم أي تواجد في عمق يصل إلى 40 كلم بعيدا عن حدود الجولان المحتل وعن الحدود الأردنية. طهران لم تنبس ببنت شفة التزمت وسحبت قواتها بصمت لإدراكها أنّ مثل هذا الاتفاق بين الدولتين الكبيرتين لا يمكن أن تواجهه، فالأفضل هو الرضوخ والتعويض في مكان آخر، علما أنّ النظام السوري اعتبره اتفاقاً ملائما له.
 
الحملة العسكرية في جرود عرسال اللبنانية، هي خطوة إيرانية بالدرجة الأولى، وعلى خلفية اتفاق الجنوب السوري المذكور، ولإحكام النفوذ على المثلث الشرقي الممتد من دمشق- حمص- لبنان وعرسال تقع في وسطه، وعلى ما يمكن استنتاجه فإنّ المحور الإيراني ربما وجد أنّ بقاء شماعة المجموعات الإرهابية لم يعد ذا أهمية إزاء إحكام السيطرة الكاملة للمحور الإيراني.
 
من هنا فإنّ أبعاد معركة جرود عرسال لها وجهان. وجه أول يتصل بإحكام السيطرة الإيرانية المباشرة وغير المباشرة في الجانب السوري. والوجه الثاني استكمال حلقات السيطرة الأخيرة على لبنان، وهنا تمكن الاستفاضة في الإضاءة على الخطة التي اعتمدها حزب الله على هذا الصعيد.
إذ يعرف الجميع، وفي مقدمتهم اللبنانيون، أنّ حزب الله ضرب بعرض الحائط كل الاعتراضات اللبنانية الرسمية والشعبية التي طالبته بالخروج من سوريا منذ أن أعلن رسميا ما سمّاه “الواجب المقدس” كعنوان لحربه التي انطلقت من لبنان ضدّ كل فصائل المعارضة السورية، بل ضدّ كل من يعارض النظام السوري، وإن برر تدخله بالقول إنه يريد الدفاع عن المقامات الشيعية في سوريا في البداية.
 
استهزأت قيادات حزب الله في ذلك الحين بكل المواقف والمناشدات اللبنانية التي تطالبه بالخروج من سوريا، هذا الاستهزاء ترافق مع عملية تطويع للقوى السياسية اللبنانية عبّر عنه بالدرجة الأولى عدم انتخاب رئيس للجمهورية وإلزام اللبنانيين بانتخاب مرشحه أو استمرار الفراغ، وفعلا نجح حزب الله في فرض مرشحه العماد ميشال عون بعد فـراغ في هذا المنصب استمر لأكثر من عامين ونصف، وتمّ تشكيل حكومة على قاعدة تسوية سياسية رضخ فيها معارضوه لشروطه (ما لي لي وما لكم لي ولكم) أي أنّ حزب الله له مطلق الصلاحية عمليا في ما يعتبره مهمات أمن قومي خارجي ومنها سلاحه وتدخله في سوريا، أمّا القضايا الداخلية المتصلة بالسياسات الاقتصادية والمالية وما إلى ذلك فهي بالشراكة بين حزب الله وبقية اللبنانيين.
 
الجديد في الحلقة الأخيرة من إحكام السيطرة على لبنان، أن المشروع الإيراني المتمثل بحزب الله بدأ من خلال عملية جرود عرسال العسكرية، إظهار أنّ اللبنانيين ولا سيما شركائه في السلطة الداخلية في لبنان هم لا يشيحون بوجوههم عن تدخله في سوريا، بل هم في موقع الملتفين حول دوره في مواجهة تنظيم إرهابي موجود على الأراضي اللبنانية، رغم أنّ الجميع يعلم أنّ وجود هؤلاء هو بسبب دخول حزب الله إلى بلدات القلمون، فيما البعض من هذه التنظيمات كانت بوعي عناصرها أو بغير وعيها تنفذ أجندات المشروع الإيراني.
 
تكشف عملية عرسال العسكرية والتي تزامنت أيضاً مع زيارة مقررة لرئيس الحكومة سعد الحريري إلى واشنطن، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب (اليوم الثلاثاء) وكما هو معلن في بيروت أن الحريري سيحمل للرئيس الأميركي مطالب لبنانية تتصل بعدم تصعيد العقوبات المالية على حزب الله لأنّها باتت تؤثر على كل اللبنانيين، كما سيطالب بدعم المؤسسة العسكرية، لكن الأهم في هذه الزيارة أنّ الحريري يحمل في طيات زيارته، ما يندرج في سياق التأكيد على أن لبنان يحارب الإرهاب في جرود عرسال.
 
علما أنّ الجيش اللبناني الذي لم يشارك إلى جانب حزب الله والجيش السوري في المعارك الجارية، إلا أن الحكومة اللبنانية والجيش يتعاملان مع معركة حزب الله وكأنّها حرب مشروعة من دون أن يظهر لبنان الرسمي أيّ موقف يبدو فيه مستاء مما يجري على الأقل من زاوية أنّ حربا تجري على أرضه ويجب أن يكون هو صاحب القرار في الحرب وفي خططها وإدارتها.
 
الاستسلام الرسمي لسلوك حزب الله يكشف إلى حد بعيد أن لبنان فقد القدرة حتى على مقاومة مصادرة سيادته ولو في الموقف. فقدان هذه المقاومة هو ما يمكن أن نسميه في الجانب الرسمي الاستسلام لمجريات التحكم والسيطرة، لا بل التسليم بأنّ لبنان صار من الناحية الرسمية ضمن المحور الإيراني أو منطقة النفوذ الإيراني التي جاءت معركة عرسال الجارية لتمثل الحلقة الأخيرة التي ستجعل حزب الله ومن خلفه إيران يستعد ليخاطب اللبنانيين وشركائه في السلطة كما فعل غداة تحرير الشريط الحدودي من الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000، حيث ادعى حزب الله أنّه هو من حرر الشريط المحتل طامسا كل النضالات وآلاف الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين الذين سقطوا خلال عملية التحرير التي بدأت منذ العام 1982.
 
سيخرج زعيم حزب الله بعد عملية عرسال وسيقول للبنانيين أنا من حرركم من إسرائيل ومن الإرهاب… والأمر لي.