للجمهورية الإسلامية الإيرانية نظرتُها إلى ما سُمّي «الربيع العربي»، يلخّصها مسؤول كبير في وزارة الخارجية بالتأكيد أنّ طهران لا تنظر إلى ما حدثَ في الوطن العربي على أنه «مؤامرة»، وترى أنّ لهذا «الربيع» أسبابَه الداخلية، «إذ إنّ في المنطقة العربية أزمات متراكمة يمكن تلخيصها بمثلّث: أزمة المشروعية، أزمة الهوية، أزمة الحكم الرشيد»، وإنّ أطرافاً إقليمية ودولية دخلت على الخط بغية السيطرة على الحالة العربية وتحقيقِ مصالحها.
 

ويقول هذا المسؤول الإيراني الكبير: «على المستوى العربي هناك أزمات متراكمة ومتعدّدةُ الجوانب، كان لها أن تنفجر عند حصول أيّ متنفّس لها وفي أيّ لحظة من اللحظات، نتيجة طبيعةِ المجتمعات العربية، وقد دخلت على خطها أطراف إقليمية ودولية بغية السيطرة على الحالة العربية وتحقيق مصالحها، وهذا من طبيعة السياسة».

ويرى هذا المسؤول «أنّ الأزمات في المنطقة العربية تراكمت منذ ايام السلطنة العثمانية وخرَجت الى الساحات في السنوات الاخيرة، فدخل عليها الاميركيون والاسرائيليون والغربيون ودول إقليمية حتى، بحيث إنّ كلّ دولة جهة لها مصالحُ تدخّلت في هذه الأزمات.

وعندما قيل للمسؤول الايراني إنّ «الإخوان المسلمين» كانوا أبرزَ مَن تصدّرَ «الربيع العربي» خصوصاً في مصر وتونس وليبيا وسوريا وغيرها، ردّ قائلاً: إنّ ايران لا تنظر الى الاخوان المسلمين نظرةَ العداء وتعتبرهم طيفاً سياسياً متنوّعاً وحركة سياسية ـ اجتماعية ـ فكرية ـ اقتصادية، وننظر اليهم على أنّهم جزء من نسيج الأمّة الاسلامية، ولكنّنا مختلفون معهم في كثير من المسائل، وهناك مجالات ومساحات مشتركة للتعاون الايجابي في ما بيننا كجمهورية إسلامية وبينهم، ومنها القضية الفلسطينية التي ينبغي ان تكون الاساس لدى الأمّة الاسلامية، ومقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين يجب ان تكون الهدفَ الاساسيّ لدى المسلمين جميعاً».

وينطلق المسؤول الايراني من ذلك ليؤكّد أن «لا اتّفاق كامل، ولا خلاف كامل»، بين إيران وتركيا حزب العدالة والتنمية الاخواني الحاكم، «ويجب ان نعالج الخلافات في ما بيننا بطريقة طبيعية».

ويشير إلى أنّ ايران وقفت منذ بداية الأزمة السورية الى جانب النظام «ولكن هذا لا يعني أنّنا متفقون مع النظام على كلّ القضايا في سوريا، فسوريا لديها سياستها الداخلية والخارجية، وإيران لها سياستُها الخارجية والداخلية ايضاً، هناك خلافات واختلافات بيننا، وهذا أمرٌ طبيعي، هناك جمهورية عربية سورية وهنا جمهورية إسلامية ايرانية».

ويكشف المسؤول الايراني في هذا السياق جانباً من الاختلاف الايراني ـ السوري، فيقول إنّ ايران أيَّدت التغيير في العراق، فيما سوريا وقفَت الى جانب الاردن وتركيا في الموقع المعارض لهذا التغيير، حيث اعتبرَته هذه الدول الثلاث «تغييراً أميركياً، و»لكنْ تبيّن لاحقاً أنّ هذا التغيير كان لمصلحة العراق».

ويرى المسؤول الايراني نفسُه «أنّ لـ«الربيع العربي» جانباً داخلياً كبيراً يتمثّل بالأزمات الداخلية التي تعيشها الدول، ولا يصح أن ننظر اليه من منظار السياسة الاميركية، أي أنّه مؤامرة اميركية، فالروس ينظرون الى «الصحوة العربية» من منظار المؤامرة الاميركية، وهذا احد اسبابِ خلافاتنا معهم. في السياسة هناك دائماً خلافٌ واختلاف، وهذا أمرٌ بديهي، نتّفق على ما نتفق ونختلف على ما نختلف.

وعندما قيلَ لهذا المسؤول الايراني انّ الاجتماعات والقمم التي عقِدت في الاسابيع الاخيرة في الرياض بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب وملوك ورؤساء عرب ومسلمين ركّزَت على وجوب تقويض النفوذ الايراني المطّرِد في المنطقة على قاعدة انّ ايران تسعى الى إقامة امبراطورية فارسية جديدة، ردّ قائلاً: «ولّى زمنُ الامبراطوريات منذ قرون، ونحن الآن في مرحلة الاتحاد.

أمّا موضوع النفوذ فهو امرٌ طبيعي، ولا أحد يستطيع ان يعارض النفوذ الطبيعيّ للآخر، ولكن مستوى النفوذ وطبيعته مختلفان، هناك نفوذ يَهدف للسيطرة والتدخّل في شؤون الشعوب الأخرى، وهذا مرفوض، أمّا النفوذ المقبول فهو الذي يقوم على التعامل الإيجابي والتركيز على المساحات المشتركة بين الدول والشعوب».

ويُعرّج المسؤول الايراني نفسُه على موقف إيران من حركتَي «فتح» و»حماس» الفلسطينيتين، فيؤكّد أنّ بلاده وقفت الى جانب مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الاسرائيلي منذ انتصار ثورتها عام 1979 وفتحِ سفارة فلسطين مكان السفارة الاسرائيلية في طهران.

ويضيف: «لم نقطع العلاقة مع حركة «فتح»، وهي مستمرّة حتى هذه اللحظة، ولكنّ مستواها مبنيّ على طبيعة السياسة التي تنتهجها «فتح»، فإذا كانت مبنية على مقاومة الاحتلال الاسرائيلي تتحرّك هذه العلاقة قدماً. أمّا بالنسبة الى العلاقة مع حركة «حماس»، فنحن معها طالما إنّها جزء من حركة مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الاسرائيلي، ونحن مع أيّ حركة مقاومة أخرى تواجه هذا الاحتلال».

وتنظر إيران، حسب المسؤول نفسِه، إلى الخلاف بين الأطياف السياسية العراقية على انه «طبيعي وصحّي» وتَعتبر «أنّ الخلاف بين السيّد مقتدى الصدر وآخرين ليس بجديد». ويؤكّد «أنه يجب على العراقيين معالجة الخلافات والقضايا وفق الدستور العراقي».

وعن الموقف الايراني من الحراك الكردي لنيلِ الاستقلال في ضوء الاستفتاء الذي يعمل له الأكراد العراقيون، يقول المسؤول الايراني: «إنّنا في تعاملِنا مع الحالة الإقليمية ككلّ نَرفض تجزئة المجزّأ، لأنّ ذلك لا يخدم مصالح الشعوب في منطقتنا، ولا حتى الأطراف الداخلية في البلدان، ونحن نتعامل مع الحالة الكردية وفق مبدأ أن يكون الأكراد جزءاً طبيعياً من المجتمعات التي يعيشون فيها وأن ينالوا حقوقهم كمواطنين، ونعارض بشدّة تجزئة المجزّأ لأنّها لن تخدم مصالح الشعوب».