ما هي الأسباب التي ساهمت في تحقيق هذا الإجماع الوطني على معارك جرود عرسال؟
 


منذ أيام قليلة ومعركة جرود عرسال على نار حامية بين حزب الله والجيش اللبناني وجيش النظام السوري من جهة وجبهة النصرة من جهة أخرى.
إستطاع حزب الله تحقيق تقدم هائل وسريع على كافة جبهات القتال وسيطر حتى كتابة هذا المقال بحسب معلومات صحافية على حوالي  70% من الجرود التي تسيطر عليها جبهة النصرة داخل وخارج الحدود اللبنانية.
وفي كل معركة يخوضها الحزب داخل أو خارج لبنان ينقسم الرأي اللبناني حولها بين مؤيد ومعارض وتتشابك بل تختلف التوصيفات عن مقاتلي الحزب الذين يسقطون في الجبهات بين من يصفهم بالشهيد وآخر بالقتيل.
ويتجاوز السجال الإعلامي هذا الحد ليصل إلى توصيف حالة وماهية حزب الله بالأساس بين من يعتبره مقاومة وآخر يراه ميليشيا أو تنظيم إرهابي.
هذا الإنقسام والإختلاف بالتوصيف والتسميات كان طاغيا أيضا في معركة جرود عرسال لكنه كان ضعيفا وبشكل ملفت عن محطات تاريخية سابقة.

إقرأ أيضا : درس في البديهيات: دا دولة... ميم ميليشيا.. حا حزب الله

حروب حزب الله والإجماع الوطني:

هذه المحطات التاريخية بدأت في الثمانينات عندما بدأ حزب الله العمل المقاوم ضد إسرائيل، لكنه لم يكن وحده في المشهد، كان يشاركه في ذلك تنظيمات أخرى تبنت العمل المقاوم ضد إسرائيل بل سبقته كجمول وحركة أمل وغيرهم.
عندها كان هناك إنقسام واضح وجلي في الرأي العام اللبناني حول هذه المقاومة بين مؤيد ومعارض لها بشكل جوهري.
لم يستطع حزب الله تحقيق إجماع وطني على مشروعه المقاوم، فمنهم من إختلف معه على أسلوب المقاومة بعد التسعينات وآخرون بسبب محاولاته لإحتكار العمل المقاوم، إلا أن شبه إجماع تحقق له بعد التقارب مع الرئيس الراحل رفيق الحريري إستمر حتى عملية 14 شباط 2005.
بعد هذا التاريخ إنقسم اللبنانيون من جديد حول سلاح حزب الله وتوصيفه وزاد الشرخ بقوة بعد حرب تموز 2006 ومعارك 7 أيار 2008 وبقي الجدال بين أخذ ورد حتى تدخل حزب الله في الحرب السورية.
بعد دخول الحزب على خط المعارك في سوريا طرأت توصيفات جريئة من خصومه كوصفه بالإرهاب  ساهمت في زيادة الهوة معه خصوصا بعد الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري وبروز ظاهرة ما سمي حينها ب " المظلومية السنية " التي فرخت حالات سياسية منها ما هو مؤقت كحالة أحمد الأسير ومنها ما هو مستمر وقوي حتى هذه اللحظة كحالة الوزير السابق أشرف ريفي في طرابلس.
إنقسم حينها اللبنانيون بقوة وبقسوة ولم يستطع حزب الله تحقيق أي حد أدنى من الإجماع على هذه الحرب حتى داخل الطائفة الشيعية إلى حد أن بعض حلفائه كانوا يتجنبون الحديث عن هذه الحرب علنا لتفادي الإحراج، ففقد حزب الله مقومات هذا الإجماع وتناثرت إلى درجة أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله قال في إحدى خطبه بأنه ليس بحاجة لأي أحد معه في هذه المعركة.
بقي الوضع هكذا حتى بدأت معارك جرود عرسال.

إقرأ أيضا : لحمة وطنية من أجل وضع ابراهيم الأمين خلف القضبان

 

معركة الجرود :

بين ليلة وضحاها تحقق لحزب الله أول إجماع وطني شامل بهذه القوة على معركة عسكرية يخوضها.
هذا الإجماع كان يحلم به حزب الله في حروب سابقة ولم يكن يسمع أي صدى لها لإعتبارات عديدة .
لكن في هذه المعركة تحقق له كل شيء على هذا المستوى، ففجأة ترى جريدة النهار تنقل إنتصارات حزب الله في الجرود وبعدها ترى جريدة الجمهورية التابعة للوزير السابق إلياس المر تصف مقاتلي الحزب بالشهداء.
ال LBC  و حتى ال MTV  بدأوا يتنافسون على رصد أخبار إنتصارات الحزب في المعركة وهم تاريخيا يصنفون في خانة الخصومة الإعلامية لحزب الله.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى القطاع الفني، وجولة سريعة على حسابات أبرز الفنانين والممثلين والممثلات في لبنان سترى أن هناك شبه إجماع وتأييد لعمليات الحزب في الجرود.
وصدرت أصوات مؤيدة للحزب من داخل تيار المستقبل كالنائب محمد قباني وتصريح رئيس بلدية عرسال الغير قاسي إتجاه الحزب وصولا إلى سياسة غض النظر الممارسة من قبل الرئيس سعد الحريري والتأييد المطلق لرئيسي الجمهورية ومجلس النواب لعمليات الحزب في الجرود.
هذا الإجماع جعل كثر يتساءلون عن سببه وسره، فمن أشهر قليلة كان هناك خطاب إعلامي مختلف مع الحزب  وطبيعي بحكم المنافسة السياسية أما اليوم فنفس هذا الإعلام يؤيد الحزب ويسانده إعلاميا.
ويرى البعض في سر هذا الإجماع دور الجيش اللبناني في المعركة وما حصل من فائض للوطنية عند اللبنانيين في الأيام السابقة لعملية الجرود.
فقد ساهمت هذه الحملات الوطنية بتهيئة الظروف لمعركة الجرد وأخذت طابعا وطنيا في النظرة العدائية للمسلحين ( لبناني - سوري ) ما جعل قطاعات واسعة من الشعب اللبناني تقترب من خطاب حزب الله في هذه المعركة خصوصا في الطوائف المسيحية.
لكن أبرز سبب ساهم في تعزيز هذا الإجماع هو العدو الذي يقاتله حزب الله.

إقرأ أيضا : معركة جرود عرسال بيعة قطرية لحزب الله
فحزب الله مهما إختلفت الأطراف السياسية معه ومهما إشتد العداء، لا بد أن يلتقوا وهم يلتقون كل يوم في اللجان النيابية أو الحكومة وبالتالي لا يمكن لهذه القوى لو خيرت بين حزب الله وهو حزب لبناني مشارك في الحكومة والمجلس النيابي وبين  جبهة النصرة المصنفة إرهابية إلا أن يختاروا حزب الله بغض النظر عن كل الكم الهائل من النزاعات التاريخية والدموية بينهم.
ففي هذه المعركة تأخذ الأمور طابعا وطنيا ضد عدو إرهابي قتل منذ سنوات قليلة عساكر في الجيش اللبناني وأسرهم وذبح بعضهم وصور جريمته وتفاخر بها أمام الإعلام، وهنا الكلام يطال داعش التي شاركت في هذه الجريمة أيضا وهذه الصورة ستظل طاغية في أي تفصيل صغير عن هذه المعركة وتفرض نفسها في أي سجال.
أضف إلى ذلك فإن هؤلاء المسلحين يحتلون أجزاء واسعة من الجرود اللبنانية ولا مبرر قانوني لهذا الإحتلال وإن كانوا يبررون الأمر بأن حزب الله أفرغ قراهم السورية ودمرها في القصير والقلمون فالأولى بهم الذهاب إلى تلك المناطق ومحاربته هناك ولا مبرر قانوني أو أخلاقي لأن يأتوا ويحتلوا أراضي لبنانية بحجة دخول حزب الله إلى سوريا لأنهم بذلك يعطون الحجة لحزب الله عن قصد أو غير قصد.

إقرأ أيضا : الجيش اللبناني في حمأة الصراع حول دوره وهويته
كل هذه الأسباب مجتمعة لو أضيف إليها التفجيرات التي طالت سكان الضاحية وما خلقته حينها من حالة تعاطف وطني مع أهالي الشهداء ساهمت لاحقا في تعزيز هذا الإجماع وجعلتهم يستذكرون ذلك على وقع المعارك اليوم.
أما الأقلية التي تعارض هذه العمليات لأسباب كثيرة وعديدة فهي ترى بالموضوع فرض أمر واقع جديد يمارسه حزب الله وبالتالي تعارض من مبادىء تتمسك بها لا كردات فعل سريعة أو ركوب لموجة الوطنية من هنا أو القتال ضد الإرهاب من هناك، بل هي ترى بمعارك عرسال إمتداد ونتيجة لأفعال حزب الله في سوريا.
هذه الفئة من المواطنين والنخب ليست بالطبع مع داعش والنصرة كما تروج أوساط حزب الله  لكنها عليها أن تدرك أن النتيجة الأقوى والأوضح لهذه المعركة ستكون طرد الإرهابيين من الجرود وهذا بحد ذاته نصرا للبنان وللشعب اللبناني.
وعند هذا الوضوح يكفي أن تكون المعركة ضمن هذا الإطار فقط سببا كافيا لتحقيق هذا الإجماع الوطني.