تصعيد عسكري لتحسين شروط التفاوض مع جبهة فتح الشام، ورفض خليجي لمشاركة الجيش مع حزب الله في معركة جرود عرسال
 

 رجحت مصادر سياسية لبنانية، أن يكون التصعيد العسكري من قبل حزب الله في بلدة عرسال، مسعى لتحسين الشروط التفاوضية مع جبهة فتح الشام، وليس لدخول معركة كل الدلائل العسكرية تشير إلى صعوبتها على حزب الله والجيش السوري، فضلا عن كونها تمثل مأزقا للجيش اللبناني.

وقالت المصادر في تصريح لـ”العرب” إن “الجيش السوري وحزب الله لا يريدان فتح معركة كبرى في جرود عرسال وامتداداتها لصعوبة المعركة في منطقة وعرة وواسعة”.

ولفتت المصادر إلى أن كل القراءات العسكرية تجمع على أن حسم معركة عرسال مستحيل دون كلفة بشرية باهظة، ما يرجح فرضية ربط التصعيد العسكري بمحاولة تحسين الشروط التفاوضية ضمن الاتفاقات التي تبرمها روسيا مع الولايات المتحدة في سوريا والمناطق الحدودية مع الأردن ولبنان.

وقال قائد في التحالف العسكري الذي يقاتل دعما للرئيس السوري بشار الأسد إن حزب الله اللبناني وقوات الجيش السوري شرعا في عملية لطرد المسلحين من آخر معاقلهم عند الحدود اللبنانية السورية. من دون أن يشارك فيها الجيش اللبناني.

وأضاف “أن العملية تستهدف مسلحين تابعين لجبهة فتح الشام، التي كانت تعرف بجبهة النصرة، في المنطقة الجبلية القاحلة عند مشارف بلدة عرسال اللبنانية والتي تعرف بجرود عرسال والمناطق القريبة من بلدة فليطة السورية”.

وقال مصدر أمني لبناني إن الجيش في وضع دفاعي ويراقب تحركات المتشددين ولن يبادر بالهجوم إلا إذا تعرضت مواقعه للهجوم.

لكن الوكالة الوطنية الرسمية للإعلام أوردت في وقت لاحق أن الجيش اللبناني أطلق النار على مجموعة من المتشددين أثناء محاولتهم الفرار باتجاه عرسال.

وسبقت مجموعة من التطورات ارتفاع وتيرة التصعيد في جرود عرسال كان أبرزها ما نقله رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لقائد الجيش جوزيف عون خلال لقاء جرى بعيدا عن وسائل الإعلام، محذرا من دخول الجيش اللبناني في معركة داعمة لحزب الله وسوريا.

وذكرت مصادر خاصة لـ”العرب” أن “الحريري نقل لقائد الجيش خلال اللقاء مناخا سعوديا وخليجيا عاما يهدد بوضع لبنان في دائرة مطابقة لسيناريو التعامل مع قطر في حال اشترك الجيش اللبناني مع حزب الله في معارك جرود عرسال”.

وينسجم الموقف الخليجي وهو بصدد رفض التنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله، مع إطار حكومي عام يقضي بحصر دور الجيش اللبناني في حماية حدود عرسال ومنع تسلل أي مسلح إلى داخلها وإقفال الحدود بين عرسال والهضاب المحاذية لها المسماة الجرود، وحماية مخيمات اللاجئين السوريين، ويترك لحزب الله إدارة المعارك في الجرود خارج أي تغطية رسمية حكومية لبنانية.

وتشير المعلومات الميدانية إلى أن التحضيرات التي يقوم بها الجيش السوري محدودة، ولا تشي بنية فتح معركة كبيرة فهو يشارك من خلال عمليات قصف متكررة بالطيران، وعبر ميليشيات درع القلمون، إضافة إلى قوات عسكرية نظامية محدودة.

وكان لافتا أن المعارك تجري في مناطق بعيدة عن الحدود اللبنانية حيث سجل سقوط ثلاثة قتلى لحزب الله، الذي أكد على أن باب التفاوض لم يقفل على الرغم من اندلاع المعركة.

ويتناقض هذا الجو مع المعلومات التي تفيد بانسحاب عناصر جبهة النصرة المحسوبين على أبي مالك التلي، من المناطق المحاذية لحدود قرية عرسال بعد ما أشيع عن فشل مفاوضات قام بها الشيخ مصطفى الحجيري أحد وجهاء بلدة عرسال معهم بموافقة الجيش اللبناني، ودون اعتراض من حزب الله.

ونقل الحجيري عن لسان التلي بعد لقائه وضعه شرطا للتفاوض يقايض خروجه من جرود عرسال وخروج اللاجئين السوريين من المنطقة بخروج حزب الله من سوريا.

وأكد مصدر لبناني لـ”العرب” صحة معلومات التفاوض بين فتح الشام ومسؤولين من حزب الله برعاية مسؤولين قطريين للوصول إلى اتفاق يقضي بخروج عناصر فتح الشام بكامل سلاحهم الثقيل من الأراضي المحاذية لبلدة عرسال باتجاه القلمون الشرقي.

وأضاف أن هناك مطالب من فتح الشام بدفع مبالغ مالية لم يحسم بشأنها الاتفاق ولم تعرف الجهة التي ستدفع هذه المبالغ.

وكانت أجواء تضارب المعلومات قد ارتفعت مع ظهور تسجيل صوتي للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله يعلن فيه انطلاق معركة جرود عرسال، تناقله إعلاميون، قبل أن يتبين أنه مجرد تقليد لصوت نصرالله قام به أحد مؤيدي الحزب الذي اعترف بذلك.

ويسود الهدوء مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال، وانتشرت صور تأييدهم للجيش اللبناني، ورفعهم للأعلام اللبنانية أمام وسائل الإعلام وسط معلومات تفيد بأن الأجواء هادئة.

ويمكن الربط بين انطلاق معركة عرسال وتوقيتها والظروف المرافقة لها بزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري برفقة قائد الجيش جوزيف عون إلى واشنطن مع وفد وزاري يضم وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ووزير الدفاع يعقوب الصراف.

وتساءل مراقب سياسي لبناني كيف تنطلق معركة كبرى تتمتع بأهمية استثنائية في ظل وجود قائد الجيش خارج البلاد، قائلا “إن غياب قائد الجيش عن هذه المعركة يكشف أنها لا تشكل بنية حاسمة، بل مجرد سياق يتكامل مع سياقات أخرى لإنتاج مشهدية يخرج فيها الكل منتصرا”.

ونقلت وسائل إعلام لبنانية أخبارا تفيد بأن قائد الجيش جوزيف عون لن يكون ضمن وفد الحريري الذي سيتوجه إلى واشنطن الأسبوع المقبل.

ويأمل حزب الله في أن غض النظر الدولي عن مشاركته في معركة عرسال، يمنحه ما كان يصبو إليه من انتزاع دور ما في مكافحة الإرهاب، وقد يكون ممهدا للتخفيف من حدة الهجوم الغربي عليه والاعتراف بدور خاص له في المرحلة القادمة.

وقال المعلق السياسي اللبناني جيري ماهر في تصريح لـ”العرب”، “بعد الاتفاقات الأميركية الروسية وإزاحة الميليشيات الإيرانية وحزب الله عن بعض المناطق في سوريا، أراد الحزب في معركة عرسال، أن يكمل فتح الطريق من طهران إلى بيروت والحزام حول لبنان وتفريغه من سيطرة قوات المعارضة السورية”.

ويرحب غالبية أهالي عرسال بالدور الذي يقوم به حزب الله في جرود عرسال، خصوصا في حال استطاع النجاح في إبعاد المسلحين عن البلدة التي تقع فيها الأراضي الزراعية التي تشكل مورد الرزق الأساسي لمعظمهم.

يضاف إلى ذلك أن خروج اللاجئين السوريين من عرسال تحول إلى مطلب سني عرسالي، ما من شأنه منح حزب الله ورقة تفاوضية يمكن لإيران استعمالها في توثيق التفاهمات بين امتدادها اللبناني وبين الحريري في الداخل اللبناني، والتي تشكل مقدمات لتفاهمات دولية وعربية أوسع.