لم تكن الجلسة النيابية المخصصة للسلسلة، الثلاثاء في 18 تموز، محصورة بإقرارها فحسب. بل كانت جلسة "بروفا" المواقف، تحضيراً للانتخابات النيابية. كل المداخلات السياسية، المالية والإقتصادية وما يرتبط بها، كان لها هدف أساسي واحد، وهو أن عيون النواب شاخصة إلى صناديق الإقتراع، وإلى ما يمكن استقطابه شعبياً. شكّلت الجلسة مناسبة مفصلية لمعظم النواب للإدلاء بدلوهم بشأن آخر التطورات، والملفات الساخنة، المالية على رأسها، والتحضير لمعركة جرود عرسال وما يرافقها من تحشيد وتعبئة، وصولاً إلى السجالات بشأن اللاجئين السوريين والتنسيق مع النظام بهدف إعادتهم.

هذا الملف شكّل أساساً في مداخلات النواب، الذين توّجهم النائب خالد الضاهر بخطاب عالي النبرة، تصعيدي إلى أقصى الحدود، حين دعا إلى إقالة وزير الدفاع يعقوب الصراف على خلفية الإلتباسات التي رافقت مداهمات الجيش في مخيمات عرسال، معتبراً أن هناك محاولات لزج الجيش في معركة ليست معركته، بل تصب في خانة حزب الله. هذا الموقف، استدعى موقفاً مضاداً من النائب إميل رحمة، بحيث اتخذ السجال الحاد بينهما طابعاً انتخابياً بحتاً، بين مرشحين للانتخابات في دائرتين مختلفتين تفرض ديمغرافيتهما على كل واحد منهما اتخاذ الموقف الذي اتخذه.

يعتبر هجوم الضاهر أنه تعبير عما يختلج أفكار شريحة واسعة من السنّة في لبنان، في الشمال عموماً وعكار تحديداً، خصوصاً أن الضاهر يستند على إنضواء آلاف العكاريين في صفوف المؤسسة العسكرية، ويعتبر أنه يرفع السقف لتصويب الأداء، ولعدم اتخاذ اجراءات لا تصب في مصلحة الجيش. وهذه مصلحة انتخابية. فيما ردّ رحمة، وهو مرشّح دائرة بعلبك الهرمل، وهي المنطقة الحدودية مع سوريا، من شأنه أن يحسن وضعه الانتخابي شيعياً ومسيحياً.

لا لبساً أو غموضاً في هذه الصورة المرسومة، والتي شكّلت انعكاساً جليّاً لمختلف مواقف النواب، الذين سنوا سيوفهم الإنتقادية في السياسة، وعلى الاجراءات المالية والإقتصادية، لاسيما بشأن الضرائب التي يفترض أن تقرّ لتمويل السلسلة، والتي ستطال الناس العاديين، أو الفقراء. وطبعاً لا يكتمل الخطاب من دون الإشارة إلى ضرورة وقف السرقة والهدر والفساد. 

عليه، فإن النائب سامي الجميل أمسك بالعصا من جانبيها، وسجّل اعتراضه على الصفقات والمحاصصات التي تحصل وتتسبب بزيادة حجم النفقات والهدر في موازنة الدولة العامة، وصولاً إلى فرض ضرائب على الفقراء، بدلاً من اتخاذ اجراءات إصلاحية تحد من الهدر والفساد، وتوفّر التمويل اللازم للسلسلة. ولم يغب عن باله الإشارة إلى ما يجري على الحدود الشرقية. "نسمع أن هناك تحضيرات لمعركة عرسال من قبل حزب الله، ونحن نريد أن نسأل ما هو دور الجيش هناك؟". وتساءل إذا كان هناك تنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله. ثم عرّج على موضوع اللاجئين، غامزاً من قناة وزارة الخارجية التي طالبها بالعمل على إعادة توزيع اللاجئين على الدول العربية. وبذلك يكون الجميل قد هاجم مختلف القوى السياسية في الحكومة.

هذا الأمر استنفز الرئيس سعد الحريري، الذي اضطر إلى الردّ بأنه لن يكون هناك تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، لافتاً إلى أن الجيش سيقوم بعملية عسكرية موضعية في جرود عرسال من أجل توفير الحماية والإستقرار. هذا الكلام، وفق ما يعتبر متابعون، أراد الحريري اطلاقه ليس رداً على الجميل فحسب، بل لقطع الطريق على حزب الله أو أي معركة يريد الحزب أن يقودها، وهي ستتسبب بإحراج كبير له، داخلياً وخارجياً، خصوصاً على أبواب زيارته إلى العاصمة الأميركية.

هذه السجالات السياسية الحادّة انعكست بإشكال مالي بين وزير المال علي حسن خليل والنائب إبراهيم كنعان، أي بين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ. فحين اعتبر كنعان أن لجنة المال والموازنة، التي يرأسها، استطاعت توفير نحو ألف مليار في الموازنة، وصف خليل الأمر بأنه مزحة، وهذه إشارة ضمنية من خليل إلى رفض الشعوبية التي يعتمدها التيار في مختلف الملفات، وليس بشأن الموازنة والسلسلة فحسب. وهذا ما استفزّ كنعان. فعلا الصراخ بينهما ليدخل النائب وائل أبو فاعور على الخط، سائلاً إذا كان هناك حقاً ألف مليار من الوفر، فلماذا يتم رفع الضرائب على القيمة المضافة؟ 

أما الرئيس نبيه برّي فكان يعمل كضابط للإيقاع، وكحكم يدير لعبة المزايدات هذه، والتي كان ينهيها بتدخّله المباشر، أو بطلبه شطب السجالات من المحضر، وعقد لقاءات جانبية بين الجلستين، على غرار ما حصل مع كنعان وخليل، حيث أنهى برّي الخلاف بينهما بـ"تبويس اللحى".