أولاً: مأساة الليطاني...
النهر الذي يجتاز لبنان من شماله حتى جنوبه يروي البشر والزرع، فتفيض البركة والنّماء على جانبيه بات عليلاً ظمئانا. كان الجنوبي يفتخر بأنّه يشرب من مصلحة مياه جبل عامل، مياه الليطاني المخزّنة في بلدة الطيبة، أنقى مياه وأعذب مياه و"أخف" مياه صُحّية في لبنان الغني بثروته المائية، وكانت دولة "الاقطاع" أكثر نباهةً وحرصاً من دولة "الحداثة" والزعماء الأقوياء وأساطين المقاومة والممانعة، فبنت على ضفة النهر بحيرة القرعون لتوليد الطاقة وريّ الأراضي الزراعية، في حين يكتفي زعماء الجنوب ونوابه ووزرائه اليوم بالصمت المخزي اتجاه تلوّث النهر المريع، الأسماك تحتضر في مجراه، والبشر يحتضرون على جانبيه، يكفي أن تشاهد سيل القاذورات والمخلّفات الصناعية والنفايات والصخور والأتربة والمياه الآسنة ومجارير البلديات، لتدرك فداحة المأساة والضرر وقساوة المسؤولين وتقاعسهم وخزيهم عن المبادرة للعلاج المطلوب والضروري.
ويلهم ،ويل أمّهاتهم، كان الراحل معمر القذافي يتحسّر على نهرٍ واحد في ليبيا. لذا قرّر إنشاء ما دعاه "النهر الصناعي العظيم" ليتوافق مع عظمته الشخصية، فصرف في سبيل ذلك المليارات ولم يبخل بشيء، وحكامنا الذين يُبذّرون أموال الشعب ويهدرونه صُبح مساء، يظنّون على تنظيف نهرٍ جارٍ وطبيعي لا صناعي بحفنة من الدولارات.

إقرأ أيضًا: مجلس النواب صادق على استفادة معلمي القطاع الخاص من الزيادة المقرة لمعلمي القطاع الرسمي
ثانياً: صرخة نهر الليطاني...
نهر الليطاني اليوم يصرخ في وجه الحُكّام الظلمة:
مالكم لا تنظرون إلى حالنا ، ولا تسمعون مقالنا، ولا تعالجون مُصابنا، فقد ملكتم نواصينا، وسكنتم ديارنا، وصادرتم مشاعاتنا، ووضعتم أيديكم على مرافقنا، وسلبتم نعمنا، الأموال التي تهبونها لنسائكم تحت مُسميات باطلة: جمعيات لنهب المال العام باسم رعاية الأمومة والطفولة تارة، وباسم رعاية المعوقين تارةً أخرى تكفي لتنظيف النهر ومعالجة مشاكله وتفيض عن ذلك، وأخيرا، لا بدّ أن أدعو عليكم دعاء المستجير الملهوف:
ربّنا، جلّ جلالك، وعزّ ثناؤك، المُحيي والمُميت، يا من جعلت من الماء كلّ شيء حي، ادفع بحُكّامنا الظلمة وأجبرهم على الاستحمام بمياهي الملوّثة، علّها تتلوث أبدانهم ووجوههم، وتنقى سرائرهم وضمائرهم، فيسعون جاهدين لمعالجة أوضاعي المزرية رحمةً بالعباد والبلاد ،آمين.