الجيش فوق الشبهات. عبارة قطع بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الطريق أمام المصطادين في الماء العكر، والذين حاولوا استثمار عملية عرسال لأغراضٍ مذهبية. لا جديد في القول إن سنّة لبنان في صميم الجيش وإن عكار خزانه البشري المقدام الذي لا ينضب.
 

وفي حين أن أي آراءٍ او مواقف مذهبية، إيجابية أو سلبية، تحاول احتكار الجيش لمصلحة مذهبٍ او حزبٍ سياسي، هي مجرّد مساعٍ واهية وضيّقة، ولا تدخل إلا في اطار التقوقع والعبثية وربما "الولدنة". ولعلّ المحبّة الحقيقية للجيش تكمن في قلوب أولئك المترفعين عن منطق المذهبية والتوصيفات الضيقة، والذين ينظرون اليه على اساس انه القوّة الأولى الجامعة لشعبٍ تَحارَب عشرات السنين. بل ان المحبّة الخالصة للجيش تكمن في قلوب عشّاق الحرية والصراحة والشجاعة، لا أصحاب التملّق والتزلّف و"التبييض". وإذا كان الرئيس الحريري قد قطع الطريق على أي استغلالٍ خسيس لعملية عرسال، فإن كل الأصوات السنية المؤثّرة في لبنان تسير في الطريق نفسه.

ماذا في التفاصيل؟

قباني

يقول عضو كتلة "المستقبل" النائب محمد قباني إن الأجواء المحتقنة دفعت الحريري الى استدعاء قائد الجيش العماد جوزف عون لاستيعاب المناخ الذي كان يخشى ان يحتقن أكثر، وتالياً اعطاء الجيش المظلة السياسية المطلوبة من الحكومة وابعاده عن السجالات الداخلية السياسية، خصوصاً انه يقود معركة بطولية في الدفاع عن لبنان في وجه الارهابيين. ان حجم العملية التي قام بها الجيش في عرسال وما حدث لأربعة من الموقوفين، وهو ما حاول البعض استغلاله سياسياً، دفع الحريري الى الاسراع في منع اي سجال متعلق بالجيش في هذه المرحلة الدقيقة التي يخوض فيها معارك ضد الارهاب. لا يؤمن قباني بأن لبنان يتألف من 17 طائفة، بل من 4 ملايين مواطن. ويرفض مقولة ان "للطوائف مواقف"، مصراً على منطق المواطنة. "واذا كان السنّة قد ضحوا في سبيل الجيش، خصوصاً ان فئة واسعة من الجنود من أبناء عكار، فذلك لانهم مواطنون لبنانيون، وهذا ينطبق على جميع اللبنانيين. الجيش لجميع اللبنانيين، فليبتعدوا عن لعبة المذهبية التي تؤدي الى نهاية لبنان".

الشريف

ويرى مستشار الرئيس نجيب ميقاتي خلدون الشريف ان "اي كلام عنصري يخرج من اي طرف، لا يصب في مصلحة لبنان. وكل من يدعي من "المؤيدين العنصريين" ان الجيش حكر على طائفةٍ او تنظيمٍ او مذهب يؤدي الى ردات فعل رافضة لهذا الكلام او لمن يتبناه. وتالياً لا بد من اقصاء كل التعليقات العنصرية المؤيدة للجيش او المعارضة له". ويضيف: "ما من سبيل لحماية المواطنين الا الجيش، وتالياً انه أسمى من هذه التعليقات السلبية والايجابية على السواء. حتى ان التصريحات المبالغ فيها من البعض هي مجرّد عصبيات توتيرية وتوترية لا أكثر". ويخوض في تفاصيل عملية عرسال النوعية: "قائد الجيش جوزف عون أطلعني على التفاصيل والتحقيق انتهى في موت الموقوفين الأربعة. المطلوب عدم التعامل بالقسوة مع اي معتقل". وتعقيباً على زيارة العماد عون للرئيس الحريري، يقول: "ليس لدي تصوّر عما جرى في الاجتماع، لكن اظن ان قائد الجيش أطلع الرئيس الحريري على أجواء ما حصل في عرسال. انها غيمة لا بد من ان تعبر بسرعة، وليس امام اللبنانيين سوى الجيش، وعلى كل فئة الابتعاد عن منطق "الترفّع التوتيري"، كأن تدعي ان الجيش هو مسؤوليتها حصرا، لأن المؤسسة العسكرية لن تكون يوماً لمصلحة فئة على حساب أخرى، لذلك "فلنقتل الأجواء المحتقنة في مهدها".

مراد

بدوره، يتخوف الوزير السابق عبد الرحيم مراد من ان تصل الامور الى التمزق والتقسم نتيجة الخلافات السياسية الاخيرة: "لبنان مرّ بمشكلات كثيرة في المرحلة الأخيرة، وفي طليعتها القلق الاقتصادي والسياسي وأزمة النزوح السوري. فيما صمام الأمان الضامن لوحدة البلد يتمثل في مواقف الجيش الوطنية المشرفة، فضلاً عن دور القوى الأمنية الأخرى والمصرف المركزي. انها المؤسسات الوحيدة التي لم يتعطّل دورها، مما يعني ان التشكيك في الجيش متسغرب ومدان، ولا بد من الإجماع الكامل على دوره في الساحة اللبنانية. وفي توصيفه لعملية عرسال، يقول ان "الجيش انحاز لمصلحة الوطن وقدّم ضحايا من اجل وحدة البلد واستقراره، واي تهمة انحياز تطاله باطلة. والتنسيق بينه وبين المقاومة مسألة مهمة جداً تؤدي الى استقرار البلد، ونحن نرفض التشكيك في هذا الموضوع".

الأحدب

من جهته، يقول النائب السابق مصباح الأحدب ان الطائفة السنية جزء لا يتجزّأ من الجيش، ولا مشكلة لديها معه. ويروي ان "60% من القاطنين في باب التبانة هم من عكار خزان الجيش. لكن ان تنامي 20 جولة عنف من دون معالجة في طرابلس، يعني افتعال مشكلة تليها طلب وضع الجيش في وجه أهله. هناك 15 ألف شخص اتهموا بوثائق اتصال بتهم الارهاب، مقابل توافر غطاء سياسي لأولئك الذين يوزعون سلاحا ويحرّضون على الجيش. لا بد من توقيف من يوزع السلاح ويأمر بالاعتداء على الجيش وليس من يتلقى منه البندقية وهو في سن الـ18. ألف ضحية سقطت في طرابلس لم يدر بها أحد". وفي رأيه انه لا بد من تحديد مسؤوليات، اما "القول ان مشكلتنا مع الجيش اللبناني، فهو كلامٌ مدان". وعن أطر الحل، يشرح ان "المبادرة السنية وضعت الامور في نصابها، ومنها الحؤول دون أن تبقى المناطق السنية قابلة للتفجير، لأنها مسألة مضرة للجميع بمن فيها الجيش". ويتمثل بالرئيس فؤاد شهاب يوم قال: "تريدون معالجة الامن الاجتماعي والاقتصادي قبل توريط الجيش في الامن العسكري".

مجلس المفتين

"الجيش جيش لبنان والمسلمون في لبنان جزء من الوطن، وأعتقد أن هناك توافقاً وإجماعاً على الجيش، وما يهمني هو الخطوط العريضة للأمور والاجماع الوطني على العهد والحكومة والجيش والمؤسسات. الرئيس سعد الحريري هو رئيس وزراء كلّ لبنان، وهو أعظم شخصية سنية موجودة في لبنان ويتحدّث باسم السنة وكلّ اللبنانيين، ونعتبر ان ما اعلنه في مكانه ونوافق عليه". بهذه العبارة يختصر مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار رأيه، قاطعاً الطريق على اي "أصوات نشاز" تلوح في الأفق.

وكان مجلس المفتين في لبنان قد عقد اجتماعه الدوري الأسبوع المنصرم برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، وأصدر بياناً جاء فيه: "يتطلع المجلس بثقة وأمل، بقيادة الجيش، الى مكافحة الإرهاب على قاعدة حماية الدولة من أي خلل امني على حدوده والحفاظ على سلامة المواطنين والأشقاء السوريين النازحين واللاجئين الفلسطينيين، وأكد دعمه وتأييده للخطوات التي يقوم بها الجيش بالتعاون مع القوى الأمنية في مواجهة كل الأخطار التي تحيط بلبنان على جميع أراضيه من عمليات رادعة للمجموعات المسلحة التي تستهدف وحدة اللبنانيين جميعا وأمنهم واستقرارهم". وشدد المجلس على أن "الجيش هو وحده من يحمي اللبنانيين من أي عدوان خارجي أو إرهابي، أيا كان على حدوده، بقرار من السلطة السياسية المتمثلة بمجلس الوزراء الذي هو مكان إجماع اللبنانيين وشعورهم بتحمل المسؤولية والأمن والأمان لكل المواطنين".