كان يمكن لمقتل محمد مهدي أبو حمدان، المقاتل في صفوف حزب الله في سوريا، قبل أسبوع، أن يمر كغيره، من بين أسماء الضحايا الذين ينعى الحزب أسبوعياً العشرات منهم عبر وسائله الخاصة، لولا حقيقة لم يتمكن الحزب من "طمسها" أو منع ردة الفعل حولها. وهي أن محمد، الملقب بهيثم رعد، ليس فتى قاصراً فحسب، قد يكون أتم 17 عاماً، وفق اعتراف حزب الله، بل وحيد أسرته أيضاً. وقد أشرك في الجبهات القتالية الأمامية، رغم قرار سابق صادر عن الحزب بعدم قبول طلب الوحيد عند أهله للمشاركة في القتال في سوريا. 

هذه الحقيقة، أحرجت الحزب في بيئته إلى حد استدعى حملة بدأت بعد أيام من مقتل هيثم. ما دفع الحزب إلى نشر رسالة لوالده يقر فيها أنه كان موافقاً كلياً على ارسال ابنه إلى ساحة المعركة. غير أن ما رافق الرسالة من نقاشات وردود فعل عكسية، لا يبدو أنه حقق للحزب النتيجة المطلوبة. فقرر أن يترك الرد لنائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم. 

في الشكل، لم يكن سهلاً تأمين أمن قاسم إلى حسينية في وسط حي مكتظ في أعالي تعلبايا، إلا أن "دقة" الحالة استحقت عناء المخاطرة، وإن شملت الاجراءات الأمنية الصحافيين الذين أمن الحزب نقلهم بوسائله إلى موقع الحسينية. 

وفي المضمون، ورغم تطرق قاسم إلى بطولات حزب الله في ذكرى حرب تموز 2006، وحديثه عن الملفين الأبرز لبنانياً حول اعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وسلسلة الرتب والرواتب واقرارها، فقد بدت هذه القضايا جانبية أمام تبرير ارسال القاصرين والوحيدين إلى ساحة القتال. وهو الموضوع الذي أفرد له قاسم القسم الأكبر من خطابه، مستخدماً مفردات مختلفة في تكرار المضمون نفسه، ورغم اعتباره أن "الحرب التي تشن علينا بأننا نأخذ الأطفال إلى المعركة حرباً نفسية فاشلة". 

ووفق هذا التبرير، فقد بات لحزب الله روزنامة جديدة لعمر البلوغ، وهي أن يكون "المكلف" قد أتم سن 15 سنة "هجرية"، لأنه كما قال "في فهمنا الاسلامي التكليف يبدأ من البلوغ عند الصبي عندما يسجل عليه ويعاقب في الحلال والحرام". وفي رأي قاسم، فإن لدى هؤلاء الشباب طاقة يجب الاستفادة منها.

أما بالنسبة إلى اشراك الوحيد عند والديه في ساحات القتال، فتبريره عند حزب الله أن قراره السابق كان عملاً احترازياً، "لأننا لم نقدم موتاً ولم نؤخره". لكن "أمام الحاح المجاهدين والأباء والأمهات الذين لديهم أولاداً وحيدين، قررنا أنه إذا وافق الأب ووافقت الأم بكتاب خطي، يمكن للوحيد أن يذهب ليقاتل. ومحمد نال الموافقة لأنه مصر من ناحية ولأن والديه شعلة نور وتقوى وهما حريصان على أن يفتحا الدرب إلى عطاءات التقوى". 

في المقابل، أشار قاسم إلى أنه "عادة يوعز للمجاهدين أن لا يوضع الوحيد عند أهله في المواقع الأمامية. وهذا جزء من الاحتياط أيضاً. لكن محمد تسلل إلى المواقع الأمامية بكل عشق وحب، فاستحق أن يكون أميراً ونموذجاً لكل الثوار والأحرار".

وفي رد على من وصفهم بالمنظرين، قال قاسم: "لا تعلمونا من نأخذ إلى الجهاد ومن لا نأخذ ولا تعلمونا كيف نربي ومن نربي. تربيتنا أنجبت جهاداً ونصراً، وتربيتكم أنجبت فساداً وهزيمة".

تحت المنصة التي اعتلاها قاسم وضعت بذة هيثم القتالية وخوذته وأمتعته التي "قضى" بها، وصورة له بدا فيها بلحية غير مكتملة، تماماً كصوته غير النامي الذي أذيع في شريط فيديو كوصية لوالديه وشقيقته زينب وأصدقائه. في تلك اللحظات كادت الكاميرا أن تتصيد صورة لدمعة والده الذي تقدم الحاضرين بوشاح حزب الله حول عنقه، إلا أن "وعي" المنظمين اعترض العدسة، قبل أن يسمح مجدداً بتصوير الوالد، لكن هذه المرة في الكادر "الاحتفالي لتقديم الشهداء".