تعمل القوات المدعومة من إيران عبر العراق بجِدٍّ على تشييد مَمَر يُنقَل عبره الجنود والأسلحة لقوات وكلائها في سوريا ولبنان. أما في أروقة السلطة في بغداد، فحتى أعلى مسؤولي الحكومة العراقية مرتبةً إما اختير بمباركة إيرانية، أو طُرِدَ بقرار إيراني، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية
 

صدقت إيران

عندما غَزَت الولايات المتحدة العراق منذ 14 عاماً للإطاحة بصدام حسين، رأت في العراق حجر أساس لشرق أوسط ديمقراطي مقابل للغرب .أما إيران، فرأت من اليوم الأول شيئاً آخر: فرصة لصنع عراقٍ تابع. وإذا نجحت إيران في مسعاها؛ لن يُشكِّل العراق أي تهديدٍ، وسيكون نقطة انطلاق يتوسع عبرها النفوذ الإيراني في المنطقة. في ذلك الصراع، انتصرت إيران، وخسرت الولايات المتحدة.

يقول هوشيار زيباري: "النفوذ الإيراني متفشٍّ"، ويضيف زيباري الذي خُلِعَ من منصب وزير المالية العام الماضي، 2016، بعد أن شكَّكَت إيران -على حد قوله- في علاقاته بالولايات المتحدة: "لإيران السلطة العليا".

والزيباري الذي شغل سابقاً منصب وزير الخارجية، اختبر عن قرب قوة السيادة الإيرانية على الدولة العراقية.

وقال الزيباري، مستعيداً الأحداث في حوارٍ معه من قصره الجبلي بشمالي العراق، إن الرئيس باراك أوباما حين التقى بالعبادي، في أواخر أيلول بالأمم المتحدة، ضغط شخصياً من أجل إنقاذ الزيباري.

لكن العراق ليس إلا جزءاً من مشروع إيران التوسعي، فقد استخدمت إيران قوتيها الناعمة والخشنة لمد نفوذها في لبنان، وسوريا، واليمن، وأفغانستان، وعبر المنطقة.

لا سيادة للعراق

وفي بعض المراكز الحدودية في الجنوب، لا وجود لسيادة عراقية. إذ تمر حافلاتٌ مليئةٌ بالمقاتلين عبرها إلى إيران بمجرد فحص أوراقهم. يتلقون تدريباً عسكرياً ثم يذهبون إلى سوريا، حيث يقاتلون تحت قيادة الضباط الإيرانيين دفاعاً عن الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي الاتجاه المعاكس، تعبر شاحناتٌ تضخ المنتجات الإيرانية (طعام، وبضائع منزلية، ومخدرات محظورة) فيما أصبح سوقاً حيوياً.

وعلى المستوى السياسي، تملك إيران عدداً كبيراً من الحلفاء في البرلمان العراقي يُمَكِّنها من تأمين مصالحها. كما منحها نفوذها في اختيار وزير الداخلية، عبر قوات وجماعة سياسية أسستهما إيران في الثمانينات لمواجهة صدام حسين، سيطرةً حقيقية على تلك الوزارة وعلى الشرطة الاتحادية.

والآن، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الجديدة، بدأت القوات الشيعية في تنظيم نفسها سياسياً لصراعٍ قد يؤدي لزيادة الهيمنة الإيرانية على النظام السياسي في العراق.

طريقٌ إلى البحر

قد لا يبدو المشروع الإيراني الهائل شرقي العراق كبيراً: مجرد طريق ترابي طوله 24 كيلومتراً، يملؤه الحصى، ويمر بالصحراء قرب الحدود في محافظة ديالى، شرقي العاصمة بغداد.

لكنه موطئ قدم جديدة ومهمة لطريق إيران من العراق إلى سوريا، وما يعبره - قوات شيعية، وفود إيرانية، إمدادات عسكرية وتجارية- هو أهم ميزة فيه.

وهو جزءٌ مما يصفه المُحلِّلون والمسؤولون الإيرانيون بأنه طموح إيران الأكثر إلحاحاً: استثمار فوضى المنطقة لفرض نفوذها على العراق وغيره.

وفي النهاية، يقول المُحلِّلون، يمكن لإيران أن تستخدم الممر المُشيَّد على الأرض عن طريق قوات تحت قيادتها، لشحن الأسلحة والإمدادات لوكلائها في سوريا، حيث تعتبر إيران داعماً رئيسياً للأسد، وفي لبنان لحليفها "حزب الله".

وعند الحدود الشرقية يوجد معبرٌ شيَّدته إيران مؤخراً وهي المسؤولة عن تأمينه. ويمكن القول إن هذا المعبر غير متوازن، تماماً كالعلاقة بين البلدين.

وبالإضافة إلى ذلك، تعد النقطة الحدودية معبراً في غاية الأهمية لقيادة الجيش الإيراني، إذ يرسلون عبره السلاح والإمدادات الأخرى لوكلائهم الذين يحاربون "داعش" في العراق.

تغيير هوية ديالى

وبعد اجتياح "داعش" لمحافظة ديالى والمناطق المجاورة في 2014، جعلت إيران تصفية المحافظة، المتنوعة بسكانها السنة والشيعة، أولويةً.

إذ جهَّزت قوة ضخمة من القوات الشيعية، معظمهم تدرب في إيران ويتلقون الاستشارات على الأرض من مسؤولين إيرانيين. وبعد تحقيق انتصارٍ سريع، شرع الإيرانيون وحلفاؤهم في تأمين مصالحهم القادمة في المنطقة، وهي تهميش الأقلية السنية بالمحافظة وتأمين ممر لسوريا، على حدّ ما قالت الصحيفة.

وقاتلت إيران بضراوة لتُبقي على حليفها الأسد في السلطة، لتبقى على اتصالٍ جغرافي مع أهم مشاريعها في المنطقة، "حزب الله"، القوة العسكرية والسياسية التي تهيمن على لبنان وتهدد إسرائيل.

من جهته، يرى علي الدايني، الرئيس السني لمجلس البلدية هناك، أن "ديالى ممر لسوريا ولبنان، وهذا مهم جداً بالنسبة لإيران".

الطريق إلى سوريا

وكان مراسل صحيفة الغارديان البريطانية قد شهد، في منتصف حزيران 2017، من مدينة البعاج العراقية المحاذية للحدود السورية وصول قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران.

وبالموازاة مع تقدم قوات الحشد الشعبي في العراق نحو الحدود السورية، تقدمت قوات أخرى موالية لإيران في سوريا نحو الحدود العراقية إلى أن التقت القوتان، على الحدود بين مدينتي الميادين العراقية ودير الزور السورية، وهو ما اعتبر لحظة فارقة في الحرب السورية وفي المعركة ضد "داعش".

لماذا هذه الرغبة في السيطرة؟

يقول علي فايز، مُحلِّل الشأن الإيراني بمجموعة الأزمات الدولية المختصة بحل النزاعات: "كانت الحرب الإيرانية العراقية هي التجربة التأسيسية لكل القادة الإيرانيين؛ من سليماني نزولاً إلى المراتب الدنيا. كانت لحظة عزموا على ألا تتكرَّر أبداً".

ولم يُحلّ بعدُ النزاع الحدودي على ممر شط العرب المائي، الذي كان عاملاً في نشوء العداوات بين البلدين. وقد أثَّرَت تركة الحرب الوحشية على الحكومة الإيرانية منذ ذلك الحين، من سعيها إلى امتلاك الأسلحة النووية إلى سياساتها في العراق.

ويقول مُحلِّلون إن تركة تلك الحرب والندوب التي خلَّفَتها هي ما يُحرِّك الطموحات الإيرانية في السيطرة على العراق أكثر من أي شيءٍ آخر.

هل ينجح الحكم الديني بالعراق؟

وأدَّى التركيز الإيراني على الدفاع عن العقيدة الشيعية بالبعض إلى استنتاج أن هدفها النهائي هو التأسيس لحكمٍ ديني على الطراز الإيراني في العراق. لكن هناك إحساساً عاماً مقيماً بأن هذا لن ينجح في العراق، الذي يتميَّز بكتلةٍ أكبر بكثير من السكان الأصليين السنة وتقاليدهم، علاوة على أن عُلماء العراق في النجف يُعارضون النظام الإيراني، ومن ضمنهم السيد آية الله علي السيستاني، المرجع الديني الأكبر للشيعة في العالم.

لكن إيران تتخذ خطواتٍ تجاه تحويل قوتها المسلحة إلى نفوذٍ سياسي، كما فعلت مع "حزب الله" في لبنان، وبدأ قادة القوات تنظيم صفوفهم السياسية قبل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها العام المقبل، 2018.

في نيسان 2017، ألقى قيس الخزعلي، قائد إحدى القوات الشيعية، خطاباً أمام جمهورٍ من طلبة الجامعة العراقيين، مهاجماً الولايات المتحدة والمُخطَّطات التركية والسعودية الشريرة. بعدها وقف شاعر من عصبة الخزعلي وبدأ يُكيل المديح للجنرال سليماني.

وكانت هذه القشة التي قسمت ظهر البعير عند الطلاب الذين بدأوا بالهتاف "فلترحل إيران! فلترحل إيران!"، واندلعت المشادات بين الطلبة والحراس الشخصيين للخزعلي، الذين أطلقوا نيران البنادق في الهواء خارج أسوار المبنى.

السيادة السياسية

ويبدو العبادي، الذي تولى منصبه في 2014 بدعمٍ من الولايات المتحدة وإيران، أكثر جرأةً على مواجهة الضغوط الإيرانية منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة.

وقال ريان كروكر، السفير الأميركي إلى العراق بين عامي 2007 و2009، إن الولايات المتحدة إن غادرت مرة أخرى بعد هزيمة "داعش" فإنها "فعلياً ستسلم مقاليد الحكم للإيرانيين دون مقابل".

لكن كثيراً من العراقيين يرون أن الإيرانيين بالفعل يمسكون بمقاليد الحكم دون مقابل. وفي حين تُلمح إدارة ترامب إلى أنها ستولي اهتماماً أكبر للعراق كأداة لمواجهة إيران، يبقى التساؤل حول ما إذا كان الوقت قد فات.

(هاف بوست عربي)