أولاً: المشاهدة...
شاهدت الفيديو الذي يُوثّق بعض حالات التطاول على الحُكّام والمسؤولين، وما يتبع ذلك من ذمٍّ وتحقير، لكنّ ذلك وُضع في باب كمّ الأفواه والتّضييق على الحريات العامة، وخاصةً الإعلامية والصحفية منها.
يبدأ الفيديو بكلمة نابية واحدة علّق بها السيد جان عاصي على رأيٍ خاص للرئيس السابق ميشال سليمان نشره عام ٢٠١٤، وهي من قبيل القدح والذّم والتّحقير بلا مبرّر، ولا بيّنة، ولا تحليل، ولا إبداء رأي، وهي تنُمُّ عن حقدٍ دفين، وسوء أدبٍ ظاهر، ونال جزاء ذلك الحبس لمدة شهرين فقط، وهذا يُعتبر من الأحكام المخفّفة ، ولو قال كلمته تلك في حقّ أي حاكم عربي، كان قبل الربيع العربي أو بعده، لكان جزاؤه حزّ الرقبة، فقد أُثر عن خليفةٍ أموي قوله: من قال لنا بعد اليوم ،اتّقوا الله، قطعنا رأسه.
أمّا السيد ميشال الدويهي، فقد تعرّض لجهاز الأمن العام، ونال نصيبه من الحبس والتّضييق عليه، ولم أتمكن من الاطلاع على مضمون انتقاده للحكم عليه، أمّا السيد باسل الأمين فقد كتب عام ٢٠١٦ مقالة قصيرة حقّر فيها بلده وعلم بلده وحُكّامه ومسؤوليه ورؤسائه، ووضعهم جميعاً في سلّة واحدة مقابل "صرماية" اللاجئ السوري، والتي تفضلُهم جميعاً، هكذا لمجرّد الإمعان في التطاول وانتهاك الحرمات بلا مُسوّغ أو دافع منطقي.
أمّا الصحافي فداء عيتاني، فقد عبّر منذ أسابيع عن سُخطه على العهد الحالي، ورمز العهد الوزير جبران باسيل، والمقالة فيها، بالإضافة للسّخط والبرم واليأس ،تصويراً واقعياً لحال بلده لبنان: سوء الإدارة، الفلتان الأمني، النّهب والسرقات، وتواطؤ الحكام على هذا الشعب المسكين، وهي مقالة قصيرة، إلاّ أنّها مُكثّفة وتستحقّ التّقدير، وكان من الممكن أن يفلُت صاحبها من الملاحقة والعقاب لو أنّها خلت من قدحٍ وذمٍ بحقّ رئيس الجمهورية، الذي تمنع القوانين المرعية الإجراء النّيل من سموّ مقامه، وعُلوّ درجته.
ثانياً: التعليق...
أنتهز التعليق على هذا الفيديو لأقول بأنّنا مع قُدسية الكلمة، والحقّ في إبداء الرأي الحر ونشره والدفاع عنه، إلاّ أنّنا لسنا مع الكلمة الغليظة والنابية والجافية، ولسنا مع التّطاول الذي لا مُبرّر له، والسباب والقدح والذّم ، واللجوء للكلام المقذع الذي ينتهك الحرمات، وينال من هيبة الأشخاص المُنتقدين، دون النظر في أفعالهم وأقوالهم وآرائهم، ولشدّ ما عانينا نحن، أهل الشيعة المعارضون للثنائية الشيعية، وما زلنا في محنة المعاناة، من جوقة إعلام لا تُتقن سوى سجايا القدح والذّم والسّب والشّتم ، واستعمال أقذع الكلام وأقذر الأوصاف، تطال الأشخاص في مقامهم وأعراضهم وأحوالهم، وفي غالب الأحيان، دون النظر في مقالاتهم وآرائهم وتحليلاتهم.
وخلاصة القول، أنّ اللين في الكلام، والأدب في المخاطبة، والتّرفُّع عن سفيه القول والفعل يبقى هو الأساس، ولا يجوز التفريط به ،تحت حُجّة إبداء الرأي أو صيانة الحريات، قال رجلٌ للخليفة هارون الرشيد: يا أمير المؤمنين، إنّي أريد أن أعظك بعظةٍ فيها بعض الغلظة فاحتملها، قال: كلا، إنّ الله أمر من هو خيرٌ منك بإلانة القول لمن هو شرٌّ منّي: قال لنبيّه موسى إذ أرسله إلى فرعون (فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكّرُ أو يخشى).