طالما أن كل التفاصيل الانتخابية مطروحة على بساط البحث، ولا يزال من المبكر الحديث عن التحالفات، ولأن الكلام اليوم لاستطلاعات الرأي، فإن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، يجد أن هناك أموراً أكثر أهمية وخطورة تحتاج إلى البحث وإيجاد حلول لها. 

يختار جعجع البحث في مسألة اللاجئين السوريين، والأعباء التي ينوء تحتها لبنان من جرّاء هذا الملف. لكنه، وسط الجلبة والجدل السياسي الحاصلين، يقدّم رؤيته بهدوء لحل هذه المعضلة. لا يتخلّى جعجع عن موقفه المتعاطف والمبدئي مع الشعب السوري، بالتالي مع اللاجئين الذين هربوا من بطش النظام. ويقول: "كنا من أول المرحبين باستقبال اللاجئين، ولطالما رفضنا أي كلام غير لائق بحقهم، لاسيما أنهم يهربون إلينا من الموت". لكن جعجع يعتبر أن موعد العودة قد حان، وبالتأكيد ليس إلى حضن بشار الأسد.

وفق رؤية جعجع، فخلال شهرين كحد أقصى، قد تتوقف العمليات العسكرية في سوريا. بالتالي، سيكون هناك مناطق آمنة غير خاضعة لسيطرة النظام بالإمكان إعادة اللاجئين إليها، معتبراً أن لبنان تعب من هذه الأعباء على مختلف الصعد. "وإذا بقي الوضع على حاله من دون إيجاد حلّ له، فإن الأمور قد تصل إلى ما لا تُحمد عقباه، بسبب زيادة التوترات بين اللبنانيين واللاجئين السوريين، سواء أكان بشأن لقمة العيش أو حتى أمنياً، عبر استغلال بعض الجماعات حين تتم محاصرتها، لوضع المخيمات والإنطلاق منها لتنفيذ عمليات تخريبية. وهذا لا يقتصر على المجموعات الإرهابية، بل على النظام السوري أيضاً، الذي قد يستغل الوضع".

يبدو جعجع واثقاً من الوصول إلى وقف إطلاق النار في سوريا في مناطق واسعة، تساوي عشرة أضعاف مساحة لبنان. لذلك، يجب على الحكومة اللبنانية الطلب علانية من الأمم المتحدة العمل لإعادة اللاجئين إلى المناطق الآمنة. وهذا هو المبدأ الذي يرتكز عليه مشروع القوات اللبنانية الذي جرى توزيعه على الكتل النيابية لحسم الجدل في هذا الملف عبر التنسيق مع الأمم المتحدة، مشدداً على أن هذا القرار هو قرار سيادي لبناني، من حق الدولة اللبنانية وحدها أن تتخذه. وهو في ذلك يردّ بشكل مبطن على الكلام الدولي، الذي يقول إن عودة اللاجئين لم تحن بعد.

ويقول جعجع: "نحن نرفض رمي اللاجئين في فم الأسد، وعلى المجتمع الدولي أن يساعدنا في ذلك. ويجب إبعاد هذا الملف عن التسييس، لأنه لا يجب أن نستحي بأرضنا أو الدفاع عنها. وسنقول للمجتمع الدولي إن عليه أن يتحمل مسؤوليته. وإذا كان لا يريد، فليتفضل ويستقبل اللاجئين في أوروبا وأميركا، عوضاً عن تقديم الأموال لصرفها في لبنان، رغم أن المنظمات لا تقدم لنا المن والسلوى، بل القليل القليل منه".

أما بشأن الدعوات للتنسيق مع النظام السوري لإنجاز هذا الملف، فيرى جعجع أن حزب الله يدعو إلى ذلك منذ سنوات، وليس من أجل حل موضوع اللاجئين فحسب، بل لأن أي اتصال مع النظام السوري سيعقد الحلّ ولن يؤدي إلى إنجازه. ويؤكد: "نحن لدينا موقف أخلاقي ضد النظام، الذي لا يزال منذ سنوات يهدم بلده ويقصف شعبه". ووفق وجهة نظر جعجع، فلن يكون هناك معارضة على طاولة مجلس الوزراء للورقة المقترحة من القوات، لأن كل الأفرقاء يريدون إعادة اللاجئين.

لكن، ماذا عن الحديث عن توكيل اللواء عباس إبراهيم بهذه المهمة؟ يجيب جعجع أن لإبراهيم علاقات ممتازة مع الأجهزة الأمنية السورية، وهناك دول عديدة قطعت علاقاتها السياسية مع النظام لكنها تحتفظ بالخطوط الأمنية، وإبراهيم استطاع توظيف إتصالاته وعلاقاته لإنجاز العديد من الملفات، لاسيما في ملفات العسكريين المخطوفين، والراهبات ومخطوفي إعزاز، و"إذا كان قادراً على المساعدة في هذا الملف، فبالتأكيد سيكون مرحباً بجهوده".

لا يرى جعجع انقساماً لبنانياً بشأن ملف اللاجئين، لاسيما بعد أحداث عرسال الأخيرة، لافتاً إلى أن الإشكال الذي حصل هو حول وفاة أربعة موقوفين في ظروف غامضة. وفيما لا يعد ذلك إنقساماً طائفياً أو سياسياً، لأن لا أحد يريد حصول أي تجاوزات، يعتبر أن الجيش يقول إن الوفاة حصلت بسبب ظروف طبيعية. لذلك، يجب انتظار القضاء. وإذا أظهرت التحقيقات أن هؤلاء قضوا تحت التعذيب فجميعنا سيكون ضد هذا الأمر.

وفي رؤيته للوضع السوري، يعتبر جعجع أن النظام لن يبقى، وإن كان ظاهرياً مستمراً، فكيف له أن يبقى في ظل وجود كل قوى العالم في سوريا. الأميركيون والأردنيون في الجنوب والشرق، والأتراك في الشمال، والإيرانيون والروس في محيط العاصمة والساحل؟ لم يعد النظام سوى صورة، متى يحين وقت إيجاد الحل السياسي ستسقط.

بالإنتقال إلى الوضع الداخلي، يعتبر جعجع أن العهد استطاع تحقيق إنجازات أهمها قانون الانتخاب، ولا يخفي أنه كان يريد للعهد أن ينجز أكثر، لكن حتى الآن لا بأس. وعن الانتخابات الفرعية، يقول جعجع إن القوات ستخوضها إذا جرى الإتفاق عليها، ولكن هناك إشكاليات بشأنها، لاسيما لجهة تحديد القانون الذي ستحصل عليه الانتخابات، لأن الشواغر حصلت عندما كان القانون القديم نافذاً. والآن هناك قانون جديد. وهذا يجب الإتفاق عليه. وإلى حين الإتفاق على ذلك، ودعوة الهيئات الناخبة، والتحضير للانتخابات، فإن موعدها سيكون في أيلول أو تشرين، أي على بعد ستة أشهر من الانتخابات العامة الكاملة، وحينها قد يجد البعض أنه ليس ضرورياً اجراء الانتخابات الفرعية قبل أشهر قليلة من الانتخابات الأساسية، رغم أن الدستور يقر بذلك، ولكن يجب النظر بواقعية.

لا يزال الحديث عن التحالفات الانتخابية مبكراً، وفق جعجع، لكنه يؤكد أن القانون الجديد سيفتح آلية المحاسبة أمام اللبنانيين، لاسيما في مسألة الصوت التفضيلي، لافتاً إلى أن استطلاعات الرأي تفيد بأن أوضاع القوات تتحسن في العديد من المناطق، ووفق هذه الاستطلاعات ستحدد التحالفات.

وفيما يؤكد أن هناك تفاهماً انتخابياً مع التيار الوطني الحر، يعتبر أن بعض الدوائر قد تفرض تشكيل لوائح مختلفة، لا أن يكون الفريقان على لائحة واحدة. ولا يخفي وجود بعض العقبات بالنسبة لكل الأفرقاء، بشأن آلية صوغ التحالفات، إذ يؤكد أنه لا يمكن للقوات أن تكون على لوائح واحدة مع حزب الله. بالتالي، فإن الغموض لايزال يلف مصير التحالفات في الدوائر المشتركة.

الأمر نفسه بالنسبة إلى المستقبل، الذي لديه أولوية أساسية تقضي بعدم التحالف مع حزب الله. بالتالي، سيكون هناك صعوبة في التحالف بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر في الدوائر المشتركة مع حزب الله. وفي مثل هذه الدوائر، قد تعود التحالفات إلى صيغة 8 و14 آذار. وبخصوص الدائرة الأهم في الشمال، التي ينظر إليها على اعتبار أنها ستشهد أم المعارك، وهي الدائرة التي تضم، بشري، زغرتا، الكورة والبترون، يعتبر جعجع أن كل الاحتمالات مفتوحة، وكل المسائل مطروحة على الطاولة.

ولدى سؤاله عن العلاقة الجديدة مع تيار المردة يجيب: "كل الخطوات التي تؤدي إلى إيجابيات سنقوم بها، وحينها لا مانع من زيارة بنشعي". ويشير إلى أن القوات ستتحالف أو تتبنى ترشيح شخصيات شيعية مستقلة في المناطق التي يمكن التأثير فيها. "سنبحث عن هذه الشخصيات، وهذا القانون يمنحهم فرصة الوصول".

ولدى سؤاله عن مهادنة حزب الله، ينفي جعجع ذلك قائلاً: "لا يمكننا تحميل كل شيء لحزب الله. فالحزب لا يتحمل كل المسؤوليات في البلد. ورغم أنني أعتبر وجود حزب الله مصيبة إستراتيجية على لبنان، لكن يجب الإشارة إلى أن هناك مواقف عديدة نلتقي فيها معه. فنحن ضد سياسة الشيطنة، ونتخذ كل موقف بموقفه، وهنا نتفق مع حزب الله على الحفاظ على آلية التعيينات، علماً أنها مسألة تقنية، إذ هناك رأيان، الأول يقول إن التشكيلات الديبلوماسية فيها شواغر كثيرة، ولا يجب أن تخضع للآلية لأن سد الشواغر الموجودة منذ عشر سنوات، يحتاج إلى وقت كثير، والهدف هو تسريع الإنجاز. وهذا الرأي قد ينسحب بالنسبة إلى البعض على كل التعيينات. بالتالي، يفضل هؤلاء وضع الآلية جانباً لسد الشواغر وإنجاز التعيينات. لكننا، كما حزب الله وحركة أمل، نرفض ذلك. ونحن نتمسك بالسير بآلية التعيينات، لأنها شفافة أكثر وإن أخذت مزيداً من الوقت".