من المبكر جدًا الحديث عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وقد يكون رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إستعجل في إعلانه الإنتصار على هذا التنظيم الإرهابي في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى عندما دخلها بنشوة المنتصر والظافر يوم الأحد الماضي حيث قال في خطاب له أعلن انتهاء وفشل وإنهيار تنظيم داعش وإستعادة الموصل بالكامل، مضيفًا هذا النصر للعراقيين وهم من حققوه، وأضاف نحن أمام مهمة الإستقرار والبناء وتطهير جيوب داعش، مقدما شكره لكل الدول التي وقفت مع العراق ضد الإرهاب. 
وإذا كانت الأخبار التي تطايرت إلى مختلف دول العالم عن هزيمة داعش في الموصل، وإعلان إنتصار الجيش العراقي بالتعاون والتنسيق مع بعض الفصائل المسلحة عليه، بدت سارة للعراقيين إلا أنه بعد ذهاب سكرة النصر ومجيء فكرة الوقائع الميدانية المرة ستنتصب أمام الرئيس العبادي التحديات الكبرى بكافة المجالات الإنسانية منها والسياسية والأمنية والطائفية فضلًا عن التحديات الفكرية والعقائدية والايديولوجية. 

إقرأ أيضًا: تباين الرؤية اللبنانية للأزمة السورية
فخطة تحرير مدينة الموصل قد إعتمدت سياسة الأرض المحروقة، وإعترفت قوات التحالف الدولي بوقوع مجازر عديدة بسبب الضربات الجوية الغير موفقة والتي كانت تخطىء أهدافها، وأدى تحرير المدينة إلى تهديم جامعتها ومدارسها ومساجدها وكنائسها وإلى تدمير كافة الجسور فيها والمصانع والمعامل والأسواق التجارية وإلى خراب ثمانين بالمائة من البيوت السكنية، ذلك أن ثلاث سنوات من إحتلال داعش للمدينة وكان قد سبقها عدة سنوات من التهميش لها والإذلال لسكانها وعزلها جراء السياسات الطائفية لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي وأكثر من ثمانية أشهر من الحرب الطاحنة للتحرير لم تبق شيئا من المدينة فتحولت إلى ما يشبه الأطلال، ومن الصعب تقديم إحصاء دقيق عن القتلى والجرحى المدنيين لأن الحرب المدمرة قضت على الآلاف منهم ولا تزال الجثث تحت الأنقاض، وبإختصار فإن مدينة الموصل دفعت ثمنا باهظًا خلال عملية التحرير حيث بدت مدمرة بشكل كامل. 
وفي هذا السياق قالت منسق الأمم المتحدة الإنساني للعراق "ليز غراندي" من المريح معرفة أن الحملة العسكرية في الموصل تنتهي، قد يكون القتال انتهى لكن الأزمة الإنسانية لم تنته، وأوضحت غراندي تعقيبًا على الإعلان عن تشريد نحو مليون شخص من ديارهم بسبب القتال، مما أدى إلى أزمة إنسانية موجعة فاقت توقعات الأمم المتحدة، إن هؤلاء بحاجة إلى المأوى والغذاء والرعاية الصحية والماء والصرف الصحي ومعدات الطوارىء، وإن ما عاناه الناس لا يمكن تصوره، فالصدمة التي نشهدها في الموصل هي في أعلى المستويات على الإطلاق.

إقرأ أيضًا: الدعم للجيش والعقوبات على حزب الله
ورئيس الوزراء العبادي الذي زار الموصل معلنا النصر لم يقدم بما فيه الكفاية لدعوة جميع الأطراف في البلاد إلى مناقشة الخطوة المقبلة، سيما وأن النقاشات السياسية التي تدور في العراق حاليًا تتركز على أسس الإختلاف على  السلطة بين السنة والشيعة أكثر من الحديث عن الاقتصاد وكيفية النهوض بمستقبل العراق. 
ومن التحديات التي ستواجه العبادي تتمثل في أن تنظيم داعش الذي تمت هزيمته في الموصل فإنه لا زال يحتفظ بالمئات من الخلايا والمجموعات المتغلغلة في العديد من المدن العراقية مثل الحويجة وتلعفر وغيرهما على أن التحدي الأكبر الذي يواجه العالم هو أن هزيمة داعش في العراق وسوريا عسكريًا لا يعني هزيمته فكريًا، فكما أن القاعدة سقطت عسكريًا في أفغانستان وبقيت كفكرة كذلك فإن داعش وإن تم هزيمته عسكريًا فإنه سيبقى كفكرة تغزو العالم بوسائل شتى وبطرق مختلفة وميسرة. 
فالقضاء على هذا التنظيم الإرهابي لا يتم فقط بالرشاش والصاروخ والمدفع والغارات الجوية بل يحتاج إلى منسوب كبير من التعاون الدولي والشفافية والموضوعية والصدق والإقدام لمحاصرة فكرة التشدد والإرهاب التي تحملها عناصر داعش ومن يدور في فلكها ليتسنى بذلك القضاء على هذا الفكر الهدام والمتوحش.