أعلن حزب الله الانتصار على تنظيم داعش، وبدء مرحلة جديدة من التوازنات والصراع في المنطقة. لا شك في أن الحزب سيستثمر ما حصل في العراق داخل الساحة السورية، لكن هناك من يشير إلى أن الأميركيين يريدون تعطيل ذلك الاستثمار وقطع الطريق على إيران في سوريا. وينطلق ذلك من حسابات التوافق الأميركي الروسي في قمة مجموعة الدول العشرين. إذ تعتبر واشنطن أنها لن تستطيع تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، بدون التفاهم مع الروس، لأنه قبل إنعدام التفاهم استطاعت إيران وصل الحدود العراقية السورية مع بعضها البعض.

أولى بوادر هذا التوافق انعكست في الجنوب السوري، ولاسيما لجهة تأمين حدود إسرائيل، وإبعاد إيران وحزب الله نحو ثلاثين كيلومتراً عن الحدود الجنوبية لسوريا، بالإضافة إلى دخول المنطقة الجنوبية في سوريا ضمن مناطق خفض التصعيد ووقف التوتر. ويهدف ذلك على المدى الطويل إلى قطع الطريق على إيران في مسألة وصل الأراضي العراقية والسورية ببعضها البعض.

بعض المؤشرات تفيد بأن التفاهم الروسي الأميركي ارتكز على تفويض أميركي لروسيا لإدارة ملف الأزمة، او لإخراج الحل السياسي وفق الرؤية الروسية. ولكن، مقابل شرط أساسي هو تحجيم النفوذ الإيراني، وعدم إشراك طهران بالحل السياسي ومنع أي نفوذ سياسي أو عسكري لها في مستقبل سوريا. لكن هذا الكلام لا يبدو واقعياً بحسب مصادر متابعة، وتعتبر المصادر أن إيران قوة موجودة في سوريا بفعل الأمر الواقع العسكري والميداني، ومن غير السهل إزاحتها من هناك، سوى بعمل عسكري غير مطروح بأي شكل من الأشكال في هذه المرحلة. وهذا ما يتأكد من خلال مزيد من الغموض الذي يكتنف الإتفاق الأميركي الروسي، في بعض النقاط التي لاتزال عالقة.

حين يكون هناك توافق أميركي روسي، تكون الأولوية هي لما يتفق عليه الطرفان الأكبران. بالتالي، الجميع سينكفئ إلى الخلف، سواء أكان تركيا أم إيران، مع الاحتفاظ بهوامش للعمل. وهنا، تعتبر المصادر أن هذا لن ينهي الدور الإيراني في سوريا، وسيمنح طهران هامشاً ومنطقة نفوذ، ولكن ذلك لن يكون واسعاً. في المقابل، هناك من ينفي ذلك، ويعتبر أن الرد الأول على إعلان المنطقة الآمنة في الجنوب، جاء ميدانياً من قبل الإيرانيين، الذين شنوا حملة عسكرية بعد أقل من 24 ساعة على إعلان الهدنة، في محافظة السويداء، ضمن عملية أطلق عليها اسم الفجر الجديد. وقد سقط لحزب الله عدد من القتلى هناك، حيث استطاع السيطرة على عدد من المناطق ومنها تل الأصفر والقصر، اللتين تبعدان 33 كيلومتراً عن السويداء و70 كيلومتراً عن درعا المحاذية للحدود الأردنية و78 كيلومتراً شرق القنيطرة والجولان المحتل.

ورغم إعلان الإنتصار، وإعلان هذا اليوم يوماً احتفائياً، فإن محور المقاومة أو المحسوبين على إيران سيواجهون العديد من التحديات في كل من العراق وسوريا. ففي العراق مثلاً هناك كثير من العقبات أمام الإيرانيين، أولها التفاهم داخل البيت الشيعي، لأن الأفرقاء الشيعة الذين كانوا يتفقون على محاربة داعش ويواجهونه، يختلفون على طريقة إدارة الشؤون العراقية وتحديد الأولويات في ما بينهم، خصوصاً بين القريبين من إيران، والتيار الصدري، وآخرين.

كذلك، هناك إشكالية كبرى في العراق لدى حلفاء إيران، وهي في كيفية إدارة العلاقة مع السنة، بعد ما جرى، والدخول في مرحلة ما بعد داعش، بالإضافة إلى ملف أخطر وأساسي هو مسألة تحرك الأكراد سواء في العراق أم في سوريا، الذي يسعى إلى الإستقلال. وهذا ما لا يمكن لإيران ولا لحلفائها الموافقة عليه.

أما بالنسبة إلى سوريا، فأيضاً سيواجه الإيرانيون مسألة الاحتفاظ بمناطق النفوذ، في ظل التشدد الأميركي إعلامياً على الأقل بشأن مواجهتهم. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه قبل أيام أقدم النظام السوري عبر وزارة الأوقاف على إقفال مدارس تدرّس المذهب الشيعي فيها. وهذا دليل على أن النظام يذهب إلى تقارب أعمق مع روسيا، وهو لا يريد أن يقول إنه في الحضن الإيراني بشكل كامل.

وبين التضارب في وجهات النظر، ثمة من يعتبر أن هناك توافقاً روسياً أميركياً مسبقاً، بشأن أهمية الإتفاق على ملفات المنطقة. بالتالي، هذا الإتفاق متى حصل سينعكس سلباً على الدور الإيراني في سوريا والعراق تحديداً.