يستوقفني اهتراء الدولة اللبنانية واعتراف أهل البيت بغياب أدنى سمات الدولة المتعارف عليها في علم السياسية.
 

فاعتراف وزير الداخلية والبلديات بتدخلات سياسية وضغوط أدت إلى إطلاق سراح بعض ممن أطلق النار في ساحات الغاب المتفلّتة، جعلني أتذكر كتاب التنشئة الوطنية والتربية المدنية الرسمي الصادر عن جمهورية التفلّت والإفلات. 

 تكثر في هذا الكتاب الدروس التي تعرّف الدولة وتظهر سماتها وأجهزتها الرئيسية. يزدحم هذا الكتاب بالمحاور التي تحاكي أهمية فصل السلطات مع التركيز على استقلالية القضاء. وهنا يبقى السؤال: أي دولة هذه التي تدرسّ ما لا تطبق، وتقرأ بما لا تفهم، وتمتحن بما لا تشرح؟!

بربكم أنهكتمونا بمبدأ فصل السلطات فأين أنتم منه؟

أتأسف لكوني أنتقد بشدّة ممارسات الدولة اللبنانية و هجها ولكنني لربما أمعنت كثيراً في محاور كتب التنشئة الوطنية دون أن أدري وقتذاك بأن هذا الكتاب أشبه بكتابٍ في الأدب العربي، أو بالأحرى كتاب إبتدائي يطول فيه محور القصص الخرافية.

يؤلمني انتقادي اللاذع لجمهوريتي ولكنني لست أدري ما عساي أن أقول لأهالي شهداء السلاح المتفلت. فعجز الدولة أصبح لا يطاق، غياب الأمن والأمان صار واقعاً لا بدّ لنا من أن نتعايش وتبعاته المتعجرفة. لست أدري إن كنّا فعلاً نعيش في جمهورية رسمية. فالسلاح المتفلت كالجراد يفتك بهيبة الدولة ويقضي على أحلام الشباب وتطلعاتهم في هذا البلد. فمن الذي يمنع قتل أي واحدٍ منّا برصاصة طائشة، ومن الذي سيحاسب هذا القاتل؟

اليوم يزداد الخطر وتزداد مأسوية هذه الظاهرة . فبعد الاعتراف الرسمي بفشلٍ ذريعٍ لمجابهة هذا الملف الشائك، من الذي يقوى على منع أصحاب السلاح المتفلت وغير الشرعي من ممارسة هوايتهم في إطلاق النار مع كل حدثٍ أو حديث؟ من الذي يمنع ذاك الخارج عن القانون من الإمعان في الهمجية؟ فهو في الأصل خارج عن الدولة ولا يرى منها سوى اسمها على أوراقه الثبوتيّة، إن كان يملك أيًّا منها، لكنّ زعيمه في عقر دار الدولة والقانون، ينهش من قوتها فيضع يده اليمنى في المجلس ليشرع ما يملأ جعبته، ويده اليسرى على رأس القضاء وأحكامه. كيف لا؟ وأقنعة بعض السياسيين تتلألأ بمكرٍ في كرنفال جمهورية التفلّت والإفلات...