«جلسة الإرجاء». باتت الكلمة المفتاح بين المحامين والصحافيين للإشارة إلى انعقاد جلسة محاكمة إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، نظراً إلى الباع الطويل لوكلاء الدفاع عنه في اختراع الأسباب المؤدية إلى التأجيل، بانتظار فَرج ما، أو صفقة أمنية - سياسية، أو ربما العفو العام.
 

أمس، وبعد طول انتظار، كان على جدول أعمال المحكمة العسكرية الدائمة جلسة لمحاكمة الأسير في ملف أحداث عبرا، إلّا انها أرجئت إلى 12 أيلول 2017.«إكتمل السوق؟». شكّل السؤال الاكثر تداولاً في أروقة المحكمة العسكرية الدائمة، خصوصاً أنّ على جدول أعمالها أكثر من 100 دعوى. فمن خلال الجواب عن هذا السؤال يَتلمّس الجميع من صحافيين، محامين، وأمنيين مدى حجم الانتظار الذي سيتكبدونه، من منطلق معادلة: «إزا اكتَمَل السوق يعني الجلسات ماشيه وإزا ما اكتَمَل السوق مِنفلّ بكّير»... بعد سَيل من التكهنات، وقرابة الثانية عشرة ظهراً إفتتحت المحكمة العسكرية الدائمة جلساتها برئاسة العميد حسين عبدالله يُعاونه القاضي المدني محمد درباس، في حضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجّار.

في التفاصيل

«أحمد محمد هلال الاسير الحسيني»، نادى عبدالله، فغزَلت أعين الحاضرين بلحظة مقاعد القاعة باحثة بفضول تام عن مصدر «النعم»، جَرياً على العادة.

لكنّ هذه المرة لم يكن الاسير في القاعة، وإذ به يدخل وسط تدابير أمنية من الباب الملاصق لقفص الإتهام، مرتدياً عباءة «off white»، معتمراً قلنسوة بيضاء، منتعلاً جوارب بيضاء وحذاء أسود، وقد بَدت لحيته، التي تسلل إليها الشيب، طويلة أكثر من الماضي، فيما يضع نظاراته الطبية المعروفة عَضم أسود رفيع.

بخطوات معدودة، مَثُل الاسير أمام قوص المحكمة، فقال له عبدالله: «عَيّنالَك محامي عسكري»، وقبل أن يُكمل حديثه قاطعه الاسير بجدية متناهية ووجه ناشف، قائلاً: «ما بِعترِف فِيُن... وعندي محامين».

فسأله عبدالله: «حاضرين يعني؟». لحظات وتَقدّم وكيلان من وكلائه الثلاثة محمد صبلوح وأنطوان نعمة، فيما تغيّب المحامي عبد البديع عاكوم. وانتقل عبدالله الى تعداد الموقوفين ووكلاء الدفاع عنهم، فيما التعليقات في القاعة كالنار في الهشيم: «نصحان الاسير، صحّتو منيحة»، وغيرها من ردود الأفعال، فيما الاسير يقف متأملاً أفراد هيئة المحكمة.

أبدَت المحكمة حرصها على أن تسير الجلسة على نحو طبيعي، نظراً الى انّ عبدالله كرّر غير مرة على مسامع الموقوفين «مَن تغيّب وكيله ستُعيّن له المحكمة محامياً عسكرياً». إلّا انّ رغبة عبدالله إصطدمت في الحائط، عندما تبيّن تعذّر سَوق أحد الموقوفين، وسام نعيم، لأسباب صحية، فيما حضرت وكيلة الدفاع عنه.

مناورة قانونية

وقبل أن تُرجىء المحكمة الجلسة إلى 12 أيلول 2017، طلبت تكرار سَوق وسام نعيم، ثم قدمّ وكلاء الدفاع عن الاسير إفادة عن تقديم طلب تعيين بديل عن القاضي المدني محمد درباس إلى محكمة الإستئناف في بيروت، بعدما قدموه إلى محكمة التمييز المدنية وكانت هذه الاخيرة قد رَدّت الطلب شَكلاً «لعدم الاختصاص». وهنا، لا بد من الإشارة إلى انّ هيئة الدفاع كانت قد قدمت طلب تعيين هيئة بديلة لدى محكمة التمييز العسكرية، إلّا انّ محكمة التمييز ردّت طلبهم.

في هذا السياق، يرفض الناطق باسم وكلاء الدفاع عن الاسير المحامي محمد صبلوح تهمة المماطلة، قائلاً: «نحن لا نُماطل، ولكن نستخدم كل ما يُتيحه لنا القانون من وسائل، ونطلب كَف يد القاضي درباس عن جلسات الاسير إلى حين أن تَبتّ محكمة الاستئناف في بيروت طلبنا بتعيين بديل عنه».

وأضاف: «هناك مهلة 10 أيام لمعرفة جواب المحكمة، ولكن لا بد من الانتظار حتى أيلول وانعقاد الجلسة لمعرفة التطورات»، مؤكداً «رغبتهم في تعيين هيئة أخرى (سواء في شقها العسكري أو المدني) للنظر في ملف الاسير، لأنّ هيئة المحكمة الحالية مُنحازة ولا تتعامل بشفافية مع الملف». أمّا عن سبب عودتهم لحضور الجلسات بعد مقاطعتهم لها، فيقول: «لإبراز الخطأ الذي كانت قد تقع فيه المحكمة لو استكملت الجلسة في ظل وجود القاضي درباس».

وأعرب صبلوح عن انزعاج الاسير من بقائه في السجن الإنفرادي لدى فرع المعلومات في سجن روميه منذ عامين، قائلاً: «لا يقبل المعنيون نقله إلّا بعد انتهاء ملفه، طلبنا مراراً تحسين ظروف سجنه من دون جدوى، علماً أنّ للسجين حقوقاً لا بدّ من مراعاتها». أمّا بالنسبة إلى الخطوات التي تُعدها هيئة الدفاع عن الاسير، فيجيب صبلوح: «في جعبتنا الكثير من المفاجآت، ولا بد من إعادة استجواب الاسير، لأن لا بديل عن هيئة الدفاع الأصيلة».