بعد الإجتماعات التي عقدتها «مجموعة العشرين» على مستوى القمة في مدينة هامبورغ الألمانية في الأيام القليلة الماضية، من المفيد إلقاء الضوء على هذا المنتدى لجهة تكوينه وأهدافه والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأميركية فيه ونسبة تأثيره على الأوضاع في لبنان والمنطقة.
 

تأسّست مجموعة العشرين سنة 1999 منتدىً مالياً لمواجهة الأزمات المالية والإقتصادية التي ضربت عدداً من الدول الآسيوية في تسعينات القرن الماضي ووصلت آنذاك الى روسيا.

وقد إنطلقت فكرة تأسيس مجموعة العشرين ممّا هو معروف بمجموعة الدول السبع التي تمثل الإقتصادات الأقوى في العالم وهي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان إذ قرّرت هذه الدول السبع تأسيس منتدى أوسع يضمّ، بالإضافة إليها، الدول الفاعلة إقتصادياً على الساحة الدولية وهي أوستراليا والأرجنتين والصين والهند والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وروسيا والسعودية وأفريقيا الجنوبية وتركيا وكوريا الجنوبية ما يُعرف بمجموعة العشرين، مع الإبقاء على اجتماعات مجموعة الدول السبع منتدىً مستقلاً، علماً أنّ مجموعة الدول السبع هذه كانت تضمّ روسيا وتُعرف سابقاً بمجموعة الثمانية إلّا أنّ روسيا أُخرجت من هذا المنتدى عام 2014 على أثر تدخّلها في أوكرانيا وضمّها شبه جزيرة القرم الى أراضيها.

لا بد من التوضيح هنا أنّ هذه المجموعة ليست مؤلّفة من عشرين دولة كما يوحي اسمُها، بل من تسعة عشر دولة يُضاف إليها الاتحاد الأوروبي ممثلاً باللجنة الأوروبية وبالمصرف المركزي الأوروبي.

وجدير بالتوضيح أنّ هذه المجموعة أُنشئت أصلاً على مستوى وزراء المالية لأنّ اهتماماتها في البداية كانت محصورة بالقضايا المالية والإقتصادية، إلّا أنها عقدت قمّتها الأولى سنة 2008 وبعد ذلك أصبحت هذه المجموعة تلتئم سنوياً على مستوى القمّة وموضوعات بحثها أصبحت تتجاوز القضايا المالية وتتناول أيضاً قضايا سياسية شتى تهمّ المجتمع الدولي عموماً مثل الإرهاب والتغيّر المناخي والتجارة العالمية وغيرها.

وتدعو المجموعة بعض الدول الى المشاركة في الإجتماعات السنوية، علما أنّ إسبانيا تُعتبر ضيفاً دائماً للمجموعة من دون أن تكون عضواً فيها.

مجموعة العشرين تضمّ ثلثَي سكان الكرة الأرضية، أي أكثر من أربعة مليار نسمة، وإنتاجها الإقتصادي يشكّل 85% من الإنتاج الإقتصادي العالمي ونسبة التجارة التي تمارسها هذه المجموعة تبلغ 80% من التجارة العالمية. لا شك إذاً أنّ القرارات التي تتّخذها هذه المجموعة لها صدى وتأثير في مختلف أنحاء العالم ليس فقط على الصعيد الإقتصادي والمالي، بل أيضاً على الصعيد السياسي.

درجت الولايات المتحدة الأميركية على لعب دور قيادي في اجتماعات هذا المنتدى منذ تأسيسه، وهي كانت تنسّق دائماً مع الدول الأوروبية الفاعلة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للوصول الى قرارات إجماعية، ولكنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أضعف موقف بلاده بعض الشيء، إذ إنه لم يوفّر دولاً أوروبية والإتحاد الأوروبي بالذات من انتقاداته وصولاً ألى انسحابه من اتفاقية باريس للتغيّر المناخي التي كان سلفه الرئيس باراك أوباما من المؤيّدين الكبار لها.

لقد حاول عدد من القادة الأوروبيين ثني ترامب عن موقفه هذا، خصوصاً أنّ اتفاقية باريس ليس فيها ما يُلزم الدول الموقّعة تطبيق قرارات هي لا توافق عليها، بل كل بنود الإتفاقية طوعيّة وغير إلزامية، إلّا أنّ ترامب أصرّ على موقفه، ما أدّى الى نوع من العزلة للولايات المتحدة وبعض التقليص في دورها القيادي داخل هذه المجموعة وخارجها.

وقد شاءت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، رئيسة المجموعة لهذه السنة، إظهار هذه العزلة الأميركية عبر تخصيص فقرة مستقلّة للموقف الأميركي المغاير لموقف سائر الدول في بند التغيّر المناخي في الإعلان النهائي.

كذلك برز ضعف الموقف الأميركي عند البحث في موضوع التجارة العالمية، إذ إنّ لترامب مواقف لا تتناسب مع التوجّه العالمي المعاصر نحو التجارة المفتوحة بين الدول، إذ يدّعي بلا أيّ إثبات موضوعي أنّ بلاده تخسر كثيراً نتيجةً للإتفاقات الدولية التي وقّعتها مثل الـ»نافتا» التي يودّ إعادة المفاوضة في شأنها أو اتفاقية الشراكة عبر المحيط (الهادئ) التي انسحب منها حتى قبل مصادقة الكونغرس عليها، كما أنه يعلن تكراراً استعداده لفرض رسوم جمركية لحماية المنتجات الأميركية من المنافسة.

أما بالنسبة الى لبنان، فإنّ عدم ذكره في البيانات الختامية والقرارات الصادرة عن مجموعات دولية مختلفة مثل مجموعة العشرين أمر إيجابي ناتج عن عدم وجود ظروف استثنائية مثل الحرب الأهلية الطويلة أو الحروب الإسرائيلية عليه، ولا داعي في ظروف عادية لأن تتطرّق منتديات دولية أو إقليمية الى الأوضاع في لبنان كما كان يحدث في الماضي، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ القرارات التي اتفق عليها في مجموعة العشرين ليس لها انعكاسات على لبنان.

أمران هامّان حصلا في هامبورغ لهما تأثير غير مباشر على لبنان: الأوّل هو الإتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا.

إنّ هذا الإتفاق، وإن لم يكن من ضمن قرارات مجموعة العشرين، إلّا أنه حصل على هامش هذه الإجتماعات، والمنتدى كان مناسبة لاجتماع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوصول الى هذا القرار الذي سيكون له انعكاس على لبنان، إذ إنّ أيّ تطوّر على الساحة السورية يؤثر بطريقة أو بأخرى على الوضع في لبنان.

أما الأمر الثاني فهو ما اتّفقت عليه مجموعة العشرين حول محاربة الإرهاب عبر تجفيف مصادر التمويل وعدم تمكين الإرهابيين من استعمال الإنترنت لنشر إيديولوجيّتهم الإرهابية لاجتذاب عناصر جديدة لمنظماتهم.

ومعلوم أنّ لبنان معنيّ بهذا الأمر، إذ إنه من الدول المساهمة فعلياً في محاربة الإرهاب على أرضه بالذات ويحضر كل اللقاءات الدولية الخاصة بهذه المسألة وله مواقف واضحة حيالها. كما أنّ نظامه المصرفي يأخذ هذه الوقائع في الإعتبار.