ما زال اللبنانيون ينتظرون من الرئيس القوي الذي إستوطن القصر الرئاسي في بعبدا منذ ما يقارب الثمانية أشهر الإنطلاق بمشروع تغيير أوضاعهم السيئة إلى حال أفضل وأحسن وإصلاح ما أفسدته العهود السابقة ووضع حد للممارسات التدميرية التي إعتمدتها الأطراف السياسية والحزبية خلال الحكومات المتعاقبة في تعاطيها مع المسؤوليات الملقاة على عاتقها.
فبعد شغور رئاسي تجاوز السنتين والنصف تخلل هذه الفترة تعطيل خمسة وأربعين جلسة تم تخصيصها لإنتخاب رئيس للبلاد تحت ذريعة ضرورة وصول رئيس قوي إلى موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، وفي لحظة تداخل فيها العامل الإقليمي بالعامل الداخلي أحرجت حزب الله ووضعته في الزاوية واضطر معها للإفراج عن إجراء إنتخابات الرئاسة فقد تم إيصال زعيم تيار التغيير والإصلاح العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة وتسلمه مقاليد البلاد ومصير العباد الذين راهنوا على هذا الرئيس كي يفرض الأمن والإستقرار والأمان في ربوع وطنهم، ويقيم ميزان العدالة بين أبناء الشعب اللبناني على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية وتلاوينهم السياسية والحزبية بعد أن تعبوا من شيوع الفساد الذي عم في مختلف أرجاء البلاد، ومن الفلتان الأمني الذي سيطر على أغلب المناطق اللبنانية وخاصة المناطق المحرومة والفقيرة وعاشوا على أمل الحد من الصفقات المشبوهة والسمسرات وإستعادة الحقوق المهدورة من حيتان المال الذين جمعوا ثرواتهم وأموالهم من عرق الناس المسحوقة بدعم من قوى الأمر الواقع، وإنصاف المظلوم من ظالمه الذي حرمه الحد الأدنى من مقومات الحياة الحرة الكريمة. 

إقرأ أيضًا: تباين الرؤية اللبنانية للأزمة السورية
فاللبنانيون ما زالوا ينتظرون من الرئيس القوي أن يكون رئيسًا لكل الشعب اللبناني، وليس لفريق دون الآخر، وأن يخرج من الإصطفافات السياسية والطائفية، وأن يتحرر من متاريس الأحياء والزواريب الضيقة ومن المصالح الأسرية الصغيرة ومن المحسوبيات وأن تصل في عهده القوافل المحملة بالمن والسلوى إلى كافة المناطق اللبنانية وإلى آخر بقعة من أرض الوطن دون تمييز بين منطقة وأخرى، وأن يعم الأمان والإطمئنان على كامل تراب الوطن وأن ينعم الناس بالأمن والإستقرار. 
فالرئيس القوي هو القوي بشعبه وبأجهزة دولته وبنظافة كفه وعدالته وليس بغنتمائه إلى فريقه السياسي أو الحزبي وليس باعتماده على طائفته ومذهبه، وهو الذي يستطيع أن يقيم ميزان العدالة ويحاسب كل الفاسدين والمرتشين والخارجين على الأنظمة والقوانين والمخلين بالأمن والإستقرار، وذلك بتفعيل عمل الأجهزة القضائية والأمنية والعسكرية. 

إقرأ أيضًا: شعب بلا دولة
فالرئيس القوي ليس ذاك الذي يقف عاجزًا عن إتخاذ قرار لحماية الناس من فوضى السلاح والفلتان الأمني والرصاص الطائش بمناسبة وبغير مناسبة، ومن المفارقات المؤلمة، ما تم تداوله عن تأجيل موعد الإعلان عن نتائج إمتحانات شهادة البكالوريا ليوم واحد خوفًا على زوار مهرجانات بعلبك، إذ أنه وخشية من تكرار ما حصل عند الإعلان عن نتائج الشهادة المتوسطة من إطلاق رصاص الإبتهاج، والذي ذهب ضحيته رجل مسن جراء إصابته برصاصة اخترقت جسده وفجرت رئتيه واودت بحياته، فقد قررت إدارة مهرجانات بعلبك الطلب إلى وزير التربية تأجيل موعد إصدار نتائج شهادة البكالوريا ليوم واحد حيث يصادف موعد انطلاق مهرجانات بعلبك الدولية. 
والطريف أن وزير التربية مروان حمادة استجاب للطلب بالتأجيل وذلك على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يبدو أنها عبرت عن عجزها بمنع ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي، رغم نداءات وتوسلات الشعب إلى قوى الأمر الواقع وإلى الدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها، ورغم صرخات الاستغاثة بوجه الرئيس القوي للتدخل والتحرك السريع لمنع هذا التفلت الأمني وفوضى السلاح الذي يودي بحياة الآمنين الأبرياء ممن لا حول لهم ولا قوة. 
فمتى يستجيب الرئيس القوي لصوت الشعب ولنداء الضمير الإنساني ويمارس صلاحياته لخدمة الناس المستضعفين ويعم السلام في ربوع بلادي.